يوم الجمعة الماضى، نشرت إحدى الصحف خبراً عن «أم تلقى بطفلها البالغ من العمر عامين فقط فى صندوق سيارة ربع نقل بعد وفاته نتيجة إصابته بإعياء شديد، بعد تناوله أطعمة من صندوق قمامة». وتشير تفاصيل الخبر إلى أن الأم اعترفت بارتكاب الواقعة، وقرّرت أنه أثناء قيامها بجمع القمامة، شعر نجلها بحالة إعياء نتيجة تناوله بعض بقايا المأكولات من صندوق القمامة، فتوجّهت به إلى مستشفى المطرية التعليمى، وتبين وفاته، فقامت باصطحابه خارج المستشفى، وتخلصت من الجثة بمكان العثور عليه، خشية تعرّضها للمساءلة القانونية. ولعل من سخرية القدر أن تتزامن هذه الواقعة المأساوية مع «اليوم العالمى للغذاء»، حيث يحتفل العالم بهذا اليوم فى 16 أكتوبر من كل عام، وهو يوم أعلنته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، حيث يتم الاحتفال به على نطاق واسع من قِبَل العديد من المنظمات الأخرى المعنية بالأمن الغذائى، بما فى ذلك برنامج الأغذية العالمى. ويهدف «يوم الغذاء العالمى» إلى تعميق الوعى العام بمشكلة الجوع ومعاناة الجِياع فى العالم، وإلى تشجيع الناس فى مختلف أنحاء العالم على اتّخاذ تدابير لمكافحة الجوع والتشجيع على توجيه قدر أكبر من الاهتمام إلى الإنتاج الزراعى فى جميع البلدان. ويوافق الاحتفال باليوم العالمى للغذاء، تاريخ التأسيس الرسمى لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) فى اليوم نفسه من عام 1945م.
والواقع أن الجوع وسوء التغذية مشكلة عالمية، حيث يوجد حول العالم ما يقرب من 821 مليون جائع، وأن هناك واحداً من كل تسعة أشخاص ينام جائعاً. والقضاء على هذه المشكلة ممكن إذا استطاع العالم منع سلوكيات إهدار الطعام، حيث يُهدر العالم ثلث ما ينتجه من طعام، وهو ما يقدّر بنحو 1.3 مليار طن. ووفقاً لأحدث التقديرات، فإن المهدَر من الطعام يُقدّر بنحو 680 مليار دولار فى الدول الصناعية و310 مليارات دولار بالدول النامية. وتبدّد الدول الصناعية والنامية الكميات نفسها تقريباً من الطعام، أى ما يقدر بنحو 670 و630 مليون طن على التوالى. وتمثل الخضراوات والفاكهة أعلى معدل للطعام المهدَر. ويعتبر سوء التخزين والخلل فى عمليات نقل الحاصلات الزراعية السبب الأول لهدر الطعام فى دول العالم الثالث.
وعلى المستوى الوطنى، يمكن القول إن الجوع لا يشكل ظاهرة، حيث يخفّف التكافل المجتمعى كثيراً من معاناة الفقراء ومن لا يجدون قوت يومهم. فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». ونهى الإسلام عن الإسراف فى الطعام والشراب، حيث يقول الله عز وجل: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا» (الأعراف: 31)، وقال تعالى: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأنعام: 141)، وقال تعالى: «وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ» (الشعراء: 151 - 152). وما دمنا نتحدث عن الحق فى الغذاء، فإن الإشارة واجبة إلى المادة 79 من الدستور، التى تنص على أن «لكل مواطن الحق فى غذاء صحى وكافٍ، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة، كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجى الزراعى وأصناف النباتات المحلية، للحفاظ على حقوق الأجيال». ويمكن للدولة أن تلعب دوراً فى القضاء على مشكلة هدر الطعام من خلال إصدار تشريع بعنوان «حفظ النعمة»، على غرار القانون الفرنسى الصادر عام 2016م بشأن مكافحة هدر الطعام. والله من وراء القصد.