كانت أمريكا تضع اختباراتها لكل من القيادتين العسكرية والسياسية اللذين توليا مقاليد أمور مصر بعد السادات لتعرف ردود فعلهما، خاصة فى الالتزام بمعاهدة (كامب ديفيد) وأيضاً بأن نكون جيشاً دفاعياً لا يطالب بسلاح هجومى فى صفقاتنا، والحقيقة أن القيادتين المصريين كانا على وعى كامل بمدى ما يحاك وأيضاً بالمراقبة الدولية لتصرفاتهما، وإذا كانت الحرب العراقية- الإيرانية، التى بدأت فى عام ٨٠ كانت من أجل فتح سوق جديدة للسلاح والتى كشفتها فضيحة (إيران- كونترا) وكان أبطالها ضمن إدارة الرئيس الأمريكى وقتذاك (رونالد ريجان) حيث تم الكشف عن حقيقة أن أمريكا كانت بالإضافة إلى دعمها للعراق فإنها فى الوقت نفسه كانت تبيع الأسلحة لإيران وكانت تستخدم الأموال من تلك الصفقات لدعم الثوار فى (نيكاراجوا) ولذلك نجد نتائج الحرب بين العراق وإيران التى أطلقت عليها إيران (الحرب المفروضة) فشل العراقيون فى ضم الأراضى الواقعة على الضفة الشرقية لشط العرب ودعم الانفصاليين العرب فى محافظة خورستان الإيرانية، كما فشلت إيران فى الإطاحة بصدام حسين أو تدمير الجيش العراقى، وبعد حرب متواصلة استنزافية للطرفين استمرت ثمانى سنوات كان فض الاشتباك بواسطة أمريكا لأن هذه الحرب استنفدت أغراضها رغم أن كل طرف لم يحقق أهدافه، فقط اشترى أسلحة لحرب أعلن كل طرف فيها النصر الزائف على الآخر لتغلق أمريكا هذا الملف الذى أطلقت عليه (حرب الخليج الأولى) لتستعد للجولة الثانية فى منطقة الخليج أيضاً، لكن من النتائج المؤسفة لتلك الحرب هى القضية التى نسجت من أجل الإطاحة بـ«أبوغزالة»، الذى كان طوال السنوات الثمانى قد حقق للجيش المصرى الكثير وأعاد التصنيع العسكرى ليحول التسليح الدفاعى الذى فرض علينا كمبدأ لحسن النوايا إلى السلام فقد جعله أبوغزالة يستخدم هجومياً وبأيدٍ مصرية ولذلك كان التربص الأمريكى له وسوف نتحدث عن الصناعات والمجهودات التى قام بها فيما بعد.. لنرى على الجانب السياسى ماذا حدث لقياس رد الفعل المصرى فى ظل اتفاقية السلام والالتزام بها، ولأن الجانب الفلسطينى رفض المشاركة والحصول على حقوقه تحت مظلة (كامب ديفيد) والقيام بأدوار من الدول العربية لم تنَل من عزيمة السادات لحقن دماء المصريين على جبهات قتالية ما دامت مصر ستنال حقها بالسلام الذى حققه لها قوة النصر فى حرب أكتوبر، ومن هنا فإن أمريكا وإسرائيل أرادتا جس النبض، ففى الوقت الذى كانت مصر مشغولة فيه بترتيب أوراقها ومسيرتها السياسية مع بداية عهد مبارك فى هذا الوقت الذى ركزت مصر فيه على هدف السلام الشامل والمصالحة العربية فاجأت إسرائيل العالم كله فى أوائل يونيو ٨٢ بشن هجوم عسكرى واسع النطاق على الأراضى اللبنانية واجتاحتها فى أضخم عملية عسكرية قامت بها ضد حركة المقاومة الفلسطينية حتى ذلك الوقت، وظهر ذلك من خلال حجم قواتها التى قامت بالغزو حيث بلغت ١٢٠ ألف جندى وبصحبتهم مئات الدبابات والطائرات بحجة أنها تريد تأمين حدودها، ولكن مصر قامت بدورها العربى بمنتهى الحرفية السياسية حيث بعث مبارك برسالة عاجلة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى (مناحم بيجين) يطالبه بالانسحاب الفورى من لبنان، لكنه أدرك مبكراً عدم جدوى التزام إسرائيل بالرسالة، فاتجه فوراً صوب أمريكا عبر وزارة الخارجية ولأول مرة تصدر بياناً فى ٢ يوليو تعلن فيه (أن علاقة مصر بإسرائيل قد تغيرت بعد عدوانها على الشعب الفلسطينى والشعب اللبنانى لأنها هاجمت دولة عربية مخالفة بذلك روح اتفاقية كامب ديفيد ولذلك فقد توقفت العملية التالية للسلام وهى التوصل لحل باقى المشكلات القائمة)، وكانت مصر تقصد بذلك أن تفصل فى موقفها من إسرائيل بين ما تم التوصل إليه بالفعل وبين تطور العلاقات فى المستقبل، عند ذلك وقفت كل من أمريكا وإسرائيل على رد الفعل السياسى المصرى المحدد المعالم الذى يرتكن إلى قوة عسكرية للجيش المصرى تتنامى حتى وهى تحمل الاستراتيجية الدفاعية إلا أنها لن تتخلى عن دورها العربى وهى تعلم متى تلوح بقوتها العسكرية.