من ضمن مشكلاتنا المزمنة استعدادنا الفطرى للشعور بالدونية تجاه الآخرين وتضخيم إيجابياتهم وتحويلهم لملائكة دون معلومات حقيقية ومتكاملة، حتى إن بعض مسئولينا ينظرون للغرب كنموذج يجب احتذاؤه لبلوغ ما حققه من تقدم وإنجازات سواء كانت تلائمنا أم لا، من سبقونا قالوا لكل تجربة مجالها ولكل مجال قواعده وإمكاناته وما يحدث هناك يصعب تكراره هنا، أو كما يحب أن يقول الشعراء وهم يفسرون الأمور «الحالة بنت ظروفها» ونجاح أفكار بعينها فى بلد ما لا يعنى اللهاث وراءها والسعى لتنفيذها فى بلدك، العبقرية دائماً ليست فى نقل تجارب الآخرين والنجاح فى تنفيذها، إنما فى اكتشاف خصوصية المكان وما يلائمه ويتوافق معه ويحقق التطور المنشود، حتى إن التجارب التى ننقلها من الآخرين هى فى حقيقتها تعبير عن التناسب مع خصوصيتهم، مثل تجربة فنلندا التى اكتشفت قدراتها وما يتناسب مع احتياجاتها فجعلت منها الأولى فى التعليم، لكننا لا نستطيع الاعتماد على ذلك فى تحقيق نفس الأثر فى بلادنا.
فى أمريكا مثلاً «عبقرية» من نوع خاص اسمها «الثنائية»، كل المجتمع الأمريكى لا يعرف الأحادية فى المؤسسات، فلكل مؤسسة حكومية نظيرها الشعبى، فهناك مثلاً النائب العام والمدعى العام، وهناك المأمور والشريف، وهكذا توازن دقيق بين الرسمى والشعبى فى ثنائية تعد تجربة أمريكية خالصة تتميز بها فى نظامها العام وهى حالة غير متكررة كثيراً.
فى أوروبا كما أمريكا التعليم الجامعى لفئتين أولاهما القادرون مالياً والثانية المتميزون علمياً، وغير ذلك ينال تعليمه حتى نهاية مستوى ما قبل الجامعى سواء العام أو الفنى والمعاهد وخلافه، وهو نموذج مناسب وفقاً لمستويات تعليمية وقدرات للإنفاق على احتياجات هذا النوع من التعليم وتكنولوجيا ونوعية وظائف وثقافة مجتمع تقبل بكل ذلك ويلبى متطلباتها، بينما فى مصر، حيث أغلب بلدان العالم الثالث، يمثل التعليم الجامعى مسألة مهمة للغاية فى النهوض بوعى المجتمع وتأهيل عناصره وأفراده لمستويات علمية تفوق بصورة ضخمة المستويات التعليمية الأقل من الجامعى، ويؤهل لاستقبال واستيعاب التكنولوجيا الحديثة والصناعات المتقدمة وتجربة تجنيد خريجى الجامعات بعد نكسة 67 تؤكد كل ذلك.
المشكلة فى مصر على عكس الغرب عدم وجود جامعات أهلية تُنفق على نفسها من تبرعات الأثرياء وأصحاب الأعمال وتوفر فرصاً تعليمية كثيرة للطلاب المتميزين، ففى مصر تنتشر الجامعات الخاصة التى أحالت التعليم إلى مشروع تجارى، هذه نماذج لما يصلح هناك وربما لا تصلح هنا لكننا فى مصر كل واحد ربنا رزقه بفسحة للغرب أو بعمل هناك يعود لنا منسحقاً ويقول مثلاً لازم نلغى التعليم الجامعى المجانى اللى جاب لنا الخراب والبطالة.
محمد على أرسل العلماء ليطلعوا على قواعد العلم والثقافة وليس النقل قص ولزق.