بين ميلاد ورحيل هناك مشوار ما، يطول مع البعض ويقصر مع آخرين، ومهما طال هذا المشوار، أو اختلفت محطاته وأحداثه، فإنه لا بد من موعد للوصول.
الانطلاق من محطة الإقلاع لم يأتِ بإرادتنا ولا الوصول يكون بها، لكن بين المحطتين نستطيع أن نتدخل فى الأحداث، وهذا من خلال كيفية التأثر والتأثير على مجريات الأمور.
يومياً نحن بين زغرودة فرح بمولود جديد، وبين غصة ألم من فراق أحد غادر هذه الحياة. لكن ليتنا نلتفت إلى معنى مهم جداً، وهو كيف هى رحلتنا بهذا العالم، ما أعمالنا الصالحة وكم عددها، ما أخطاؤنا، وكيف نصلحها!؟ كيف يجب أن نستقبل المواليد الجدد، وكيف نتعلم من حياة من سبقونا، ونأخذ منها الدرس والعظة؟
لا بد أن نقف مع أنفسنا قبل أن نرد محطة الوصول، ونسأل أكنا سبباً فى سعادة الناس أم فى شقائهم! هل كنا طيبين مخلصين؟ وأى الانطباعات تركنا فى قلوب الجميع! الخصوم والأعداء قبل الأصدقاء! (نعم، فالخصومة بشرف وأمانة بأهمية الصداقة بإخلاص ووفاء)، والسؤال المهم: كيف سيذكرنا من تعاملوا معنا؟!
فى هذه الرحلة نتعلم الكثير وندفع ثمن الدروس الحياتية باهظاً من دمنا وأعصابنا وأعمارنا، لهذا يا حبَّذا لو شرحنا لغيرنا ما فهمناه من الدنيا، ووفرنا على الآخرين مشقة ما لاقيناه من جهد وصدمات وصعوبات. أن تزيل عثرات من طريق غيرك وتكفيهم شروراً خَبرتها أنت وجرّبتها قبلهم، فهى ميزة كبرى وسماحة نفس غاية فى الاحترام والمحبة.
تذكر أن رحلتك الحقيقية تبدأ ببداية التكليف وبداية الاختبارات، إن احتاجك أحدهم فهو اختبار لك شديد، والله ينظر إلى ردة فعلك ومدى استجابتك لنجدة الملهوف أو إجابة السائل أو مداواة المتألم، فحذارِ من التخاذل والجبن وعدم المروءة، لأنها تسجل فى الأرض بين العباد، وفى السماء عند رب العباد.
وإن وضعت فى موقف الضعف، فاحذر وانتبه ألا يوقعك ضعفك بدائرة جحود نعم الله أو بدائرة ضعف إنسانى كاليأس أو ارتكاب الحماقات أياً كان نوعها، فرحلتك مراقَبة، وكل أفعالك مسجلة عليك خيرها وشرها.
فى رحلتك هذه استخلفك الله على هذه الأرض، وترك لك الأمانة، كيف تنشر الخير وكيف تمنع الشر. كل الخير مرتبط بعضه ببعض (الإيمان والصدق والأمانة والطيبة والحنو والعدل والخير)، فارتبط أنت أيضاً بهذه المعانى وابتعد عن ضدها.
لو أدركنا معنى أن أفعالنا مراقبة، وأن رحلتنا مصوّرة بالصوت والصورة واستحضرنا خشية الله لكانت أخطاؤنا وذنوبنا أقل بكثير مما نفعل. الرقيب هو الخالق العظيم الذى أعطى النعم وهدى إلى سبيل الخير ورزقنا بالعقول التى نعى بها الأمور، فنرشد إلى الطريق القويم لنصل رحلتنا بسلام إلى بر الأمان.
وبين محطة الانطلاق والوصول نحيا ونعيش هذا العالم ونتنفس هواءه، ونختبر تجارب وأحداثاً. نحصد فرحاً ونجاحاً ونتجرع ألماً ونبكى فقداً وضعفاً ويجدد طاقتنا الأمل ويقوينا الإيمان، ونأنس بطيب العمل وبالأحباب، فاللهم يسّر رحلتنا، واجعل وصولنا إليك سالماً وأنت راضٍ عنا.