حكايات من دفاتر «المكتئبين»: قاتل صامت.. حَارِبُوه بـ «قوة»
إيمان وطارق
اكتسب الاكتئاب لقب المرض النفسى الأشهر على الإطلاق عن جدارة، لقدرته على الإيقاع بعدد كبير من المرضى، أصيبوا به وأحكم قبضته عليهم، يعتبر أهم الأسباب المؤدية للانتحار فى الكثير من الحالات، يتسرّب إليهم ببطء، ينصب شباكه حولهم، ثم ينشب أظافره فى أرواحهم، ليحيلها إلى أرواح تعسة وأجساد مرهقة تسيطر عليها الأفكار السوداوية، بالإضافة إلى انتزاع طاقتهم الحيوية بشكل مستمر.
إيمان أحمد، ٢٢ عاماً، وقعت فى براثن الاكتئاب، بعد أن تعرّضت إلى اختبار صعب فى الحياة: «الاكتئاب زى السرطان، ممكن يقضى عليك بالبطىء، مشكلته أن الناس مش بتهتم بيه، ولا مؤمنة بخطورته زى السرطان»، لم تدرك «إيمان» أنها مريضة اكتئاب إلا فى مرحلة متقدمة: «وصلت لمرحلة إنى كنت رافضة الحياة، وده اللى لفت انتباه اللى حواليا، لغرابة الوضع ده مع شخصيتى اللى بتضحك وتهزر غالبية الوقت».
لم تستوعب ما يحدث لها من تقلبات مزاجية: «كنت باقعد بالأسبوع ماباكلش خالص، وتقريباً مابنامش، ومابتكلمش غير قليل، عايزة أفضل قاعدة فى أوضتى لوحدى بالأيام»، تشعر بالامتنان لمساعدة أصدقائها ودعمهم لها، لكونه السبب الثانى فى تحسّن حالتها، وأرجعت السبب الأول إلى القرار الصارم الذى اتخذته بضرورة تخطى هذه المرحلة، وعدم الندم على السنة الدراسية التى أضاعتها فى فترة ركودها واستسلامها للاكتئاب: «بدأت أشغل نفسى وأتعلم حاجات كتير، كونت خبرة فى كذا مجال، وبدأت أهتم بأصحابى وأهلى ونفسى وحياتى العملية وكليتى وصلاتى اللى ماباقطعهاش».
«إيمان»: حولنى من شخصية خفيفة الظل إلى أخرى فاقدة الرغبة فى الحياة.. لكنى انتصرت عليه
بدأ الأمر مع طارق المفتوحى، 41 عاماً، فى إحدى الليالى أثناء مشاهدته التلفاز ليلاً، أحس بخفقان فى القلب وضيق فى التنفس وتعرّق غزير فى يديه وقدميه، فَهِم فى ما بعد أنها أعراض نوبة هلع، أحد أعراض مرض الاكتئاب المزمن، كان عمره حينها 18 عاماً، أخذ قرصاً مهدّئاً وتخطى الأمر، لكنه بدأ يتفكر كثيراً فى أمور وجودية، وينتابه ذعر شديد من الموت والمرض، قرر الذهاب إلى طبيب نفسى، لكن لقاءهما لم يتعد 15 دقيقة قام خلالها ببعض الفحوصات ورسم قلب ومخ وتأكد أن كافة أعضائه تعمل بمعدلاتها الطبيعية، لكن الطبيب أخبره أنه مصاب بـ«وسواس قهرى»، وخط بعض أسماء العلاجات على روشتته الطبية: «جبت العلاج، بالصدفة شافه زميل ليا، قال لى ما تاخدش العلاج ده، لأنه بتاع المرضى العقليين»، ذهب إلى طبيب نفسى آخر وانتظم على الأدوية الكيميائية الموصوفة له، بدأ يهدأ وينام ويخفّف وطأة تفكيره المستمر، لكنه لم يعد قادراً على الحديث، وتوقف عن الكلام تماماً لمدة أسبوع كامل: «قررت ساعتها أوقف العلاج تماماً بعد 6 شهور، لأنى حسيت إنه هو اللى جاب لى اكتئاب، من تجربتى مؤمن أن علاج الاكتئاب مش دواء كيميائى قد ما هو قرار شخصى داخلى بالسيطرة عليه، محتاج صلابة وقوة إرادة».
فرق كبير بين الحزن والاكتئاب، هكذا يبدأ على حافظ، قصته مع مرض العصر: «اتشخصت أنى مصاب باكتئاب حاد من كام سنة، والأصعب فى الموضوع هو استهتار المحيطين بيا»، مضيفاً: «الاكتئاب مرض عضوى حقيقى، مش مجرد حالة حزن وتعدى، وعايز أقول إنه مش عار ولا جنون ولا جريمة ولا دلع، هو مرض يحتاج لمساعدة طبية حقيقية».
أخذ «حافظ» يعدّد أعراض المرض النفسى التى تطارده باستمرار: «طاقتك الجسدية والنفسية دايماً منعدمة، وعندك إحساس بالذنب بدون مبرر واضطرابات نوم قوية وفقدان الشهية»، يرى أن أخطر تلك الأعراض هو الرغبة فى الموت أو الإقبال على الانتحار والتخلص من الحياة: «مع الوقت بتبدأ تظهر نوبات هلع، ودى دوامة تانية لوحدها»، يسمع دوماً جملاً متكررة من قبيل «احمد ربنا»، «ده اللى بيشوف بلاوى الناس بتهون عليه بلوته»، «اجمد وانشف» واصفاً هذه العبارات بالساذجة: «الضغوط العصبية والشخصية لما تتكثف فى وقت واحد بتبقى صعبة للغاية، الموضوع مركب بشكل مفزع وما زلنا بنتعامل معاه بشكل خاطئ».