ترسم كتب التراث صورة شديدة المثالية لعمر بن عبدالعزيز -أحد خلفاء بنى أمية- جوهرها: «الزهد والعدل»، وتصنفه كخامس الخلفاء الراشدين، بعد الفضلاء الأربعة (أبوبكر وعمر وعثمان وعلى، رضى الله عنهم)، وهى صورة تتناقض فى عدد من المواضع مع وقائع ثابتة تحكيها نصوص التراث. فقبل أن يتولى «عمر» الخلافة كان والياً على المدينة، وخلال هذه المدة قتل خبيب بن عبدالله بن الزبير، عندما عارضه فى هدم «حجرات النبى» من أجل توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم. ويذكر المؤرخون أن مقتل «خبيب» كان لحظة تحول حقيقية فى حياة عمر بن عبدالعزيز، إذ ندم على هذا الأمر ندماً عظيماً، وأصبح بعده شخصاً آخر غير الذى سبق وعرفه من عايشوه. ويحكى «ابن كثير» أنه «لما مات خبيب على يد عمر بن عبدالعزيز ركبه الحزن والخوف من حينئذ وأخذ فى الاجتهاد فى العبادة والبكاء وكانت تلك هفوة منه وزلة، ولكن حصل له بسببها خير كثير من عبادة وبكاء وحزن وخوف وإحسان وعدل وصدقة وبر وعتق».
بعد وفاة الوليد بن عبدالملك تولى الخلافة أخوه «سليمان بن عبدالملك». وكان سليمان -كما يشير اليعقوبى- أكولاً لا يكاد يشبع، وكان له جمال وفصاحة. ونظر إلى نفسه فى المرآة فقال: أنا الملك الشاب، فما دارت عليه الجمعة حتى مات، وكانت وفاته فى صفر سنة تسع وتسعين، وعهد إلى عمر بن عبدالعزيز، وكتب كتاباً، وأحضر أهل بيته، فقال: بايعوا لمن فى هذا الكتاب، فبايعوا، ودفع الكتاب إلى مسجد دابق، فدعا مَن بها من أهل بيت سليمان ليبايعوا، فلما فرغوا من البيعة دفنوا سليمان، ونزل عمر بن عبدالعزيز قبره، وثلاثة من ولده، فلما تناولوه تحرّك على أيديهم، فقال ولد سليمان: عاش أبونا ورب الكعبة!. فقال عمر: بل عوجل أبوكم ورب الكعبة!. وكان بعض مَن يطعن على عمر يقول عنه إنه «دفن سليمان حياً». وليس يعلم أحد هل لفَّق البعض هذه القصة للطعن فى عمر بن عبدالعزيز، أم أنها تعكس واقعة حقيقية أخطأ فيها الخليفة الأموى التقدير؟. لكنها فى كل الأحوال تبقى شاهداً على التناقضات العديدة التى تحتشد بها كتب التراث.
وقد اختلف المؤرخون فى سبب وفاة عمر بن عبدالعزيز، فقيل إن سببها كان السل، وقيل سببها أن مولى له (خادم) سمَّه فى طعام أو شراب وأعطى على ذلك ألف دينار فحصل له بسبب ذلك مرض، فأُخبر أنه مسموم، فقال: لقد علمت يوم سقيت السم، ثم استدعى مولاه الذى سقاه فقال له: ويحك ما حملك على ما صنعت؟. فقال: ألف دينار أعطيتها. فقال: هاتها فأحضرها فوضعها فى بيت المال، ثم قال له: اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك. ولم تخلُ وفاة عمر بن عبدالعزيز من حكايات أسطورية أخرى، ومن بينها تلك الحكاية التى يرويها «ابن كثير»: «قال أبوبكر بن أبى شيبة، ثنا عبدالملك بن عبدالعزيز، عن الدراوردى، عن عبدالعزيز بن أبى سلمة، أن عمر بن عبدالعزيز لما وُضع عند قبره هبَّت ريح شديدة فسقطت صحيفة بأحسن كتاب، فقرأوها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله لعمر بن عبدالعزيز من النار، فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه»، ويضيف ابن كثير: «وروى ابن عساكر قال: بينما نحن نسوّى التراب على قبر عمر بن عبدالعزيز إذ سقط علينا من السماء كتاب فيه، بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبدالعزيز من النار».