مصر القبطية: مؤسس «العلمانى القبطى»: الاهتمام بإعادة الهوية استرداد لقوة الإنسان
كمال زاخر
أكد المفكر القبطى، مؤسس التيار العلمانى القبطى، كمال زاخر، أن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بإعادة الهوية المصرية هو استرداد لقوة الإنسان المصرى واستعادة القوة المشتركة بين المصريين، مشيراً إلى أن الحقبة القبطية حافظت على وصول الحضارة المصرية القديمة لنا، وأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية احتفظت بالألحان الفرعونية فى صلواتها.
كمال زاخر: الحقبة القبطية حافظت على وصول الحضارة المصرية القديمة لنا
وأشار المفكر القبطى، فى حوار مع «الوطن»، إلى أن القومية العربية أسسها مسيحيو الشام.. وإلى نص الحوار.
ما الفرق بين الهوية القبطية والتاريخ القبطى؟
- الهوية هى الأعم والأشمل، والتاريخ هو الجزء الذى يسرد المتغيرات أو المدخلات التى دخلت على الشخصية المصرية، ولكن الهوية هى الكينونة والوجود نفسه، والاثنان فيهما من بعضهما البعض، لكن الهوية أعم وأشمل.
العرب أول من أطلق لفظ «قبط» على المصريين المسيحيين.. والقومية العربية أسسها مسيحيو الشام
ما أبرز المنجزات فى التاريخ القبطى؟
- الأول، وفقاً لعلوم التاريخ، الحقبة القبطية هى جزء من التاريخ المصرى الشامل منذ أن عرفت مصر الحياة حتى اللحظة الحالية، وبالتالى فهى حلقات مترابطة، وفى النهاية الفاعل هو الإنسان المصرى مع تغير الثقافة والدين والطبيعة والموقع السياسى، لذا لا يمكن أن نقول إن هناك منجزات لمرحلة عن مرحلة، لكننا نستطيع أن نقول إن التواصل الذى حصل والذى وصلنا من الحضارة المصرية القديمة، كان للحقبة القبطية دور مهم للحفاظ عليه، وأهمها الحفاظ على اللغة، فلدينا اللغة الهيروغليفية لغة مسموعة، ولم تصل مكتوبة إلا من خلال المرحلة القبطية، فالحروف الهيروغليفية بتنوعاتها المختلفة تداخلت مع الحروف اليونانية وهذا أتى فى مرحلة الإسكندر الأكبر، ثم جاءت اللغة القبطية التى تداخلت مع الحروف اليونانية، لذا فالكنيسة القبطية احتفظت باللغة، وكذلك احتفظت بالألحان الفرعونية فى جزء من ألحانها وصلواتها وحتى تلك اللحظة، مثل ألحان الجمعة العظيمة التى تقال فى أسبوع الآلام، فالمتابعون لها سيجدون أنها كانت نفس صلوات التجنيز التى كانت تلقى على الفرعون، وأصبحت هى نفس صلوات التجنيز التى تقال للمسيح.
عصور مظلمة مرت علينا مع تغليب البعد العربى على المصرى.. ووصلت إلى القمة فى عهد «عبدالناصر»
ولم يكن للحقبة القبطية دور دينى فقط، بل كان هناك دور ثقافى وحضارى، حيث لم تنقطع السبل بيننا وبين الحضارة الفرعونية القديمة، لكن تأثيره بعد دخول العرب انحصر، لأنه تحول من شأن قومى إلى شأن دينى يخص المسيحيين المصريين، الذين أطلق عليهم العرب المقبلون لفظ «قبط» وكان ذلك أول إطلاق للفظ «القبط» على المصريين المسيحيين.
التاريخ القبطى مقتصر على صوامع البحث والمؤسسات الكنسية، لماذا؟
- ذلك يعود لأسباب سياسية، ففى مرحلة من المراحل، خاصة مع الدولة الأموية، وما تلاها من تداول بين العائلات المختلفة وحتى الأتراك، كانوا يعتبرون بشكل غير مبرر أن الكلام عن «القبطية» كلام عن «المسيحية»، وهذا أمر فى منتهى الخطورة، لأن للأسف كان له تأثير سلبى، لأن التواصل مع حضارتنا القديمة تمت محاصرته من خلال هؤلاء الحكام، كما أن هناك عصوراً مظلمة مرت علينا كمصريين بشكل عام، وليس الأقباط فقط، بتغليب البعد العربى على البعد المصرى، ويمكن أن يكون هذا بشكل مباشر ووصل لقمة هذا الانقطاع فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ولا نعلم إن كان هذا مقصوداً أو غير مقصود، وهو يخضع للدراسة والبحث، ففى عهده كان الانقياد للعروبة واضحاً جداً وترجمه فى الوحدة مع سوريا، وتغير اسم مصر للجمهورية العربية المتحدة، وحتى بعد الانفصال مع سوريا، عاد اسم مصر بجوار كلمة العربية، وهذا يؤكد أن مفهوم الوطن لدى الحكام يرتبط بمفهوم العروبة وهذا أمر فى منتهى الخطورة ولا علاقة له بالأقباط، ولكن له علاقة بالبلد كله.
ما مخاطر ضمور الخصوصية الثقافية للأقباط؟
- لا تنحصر فى الأقباط فقط، لكن إذا كنا نتحدث عن وطن فنحن نتحدث عن عموم المواطنين، أولاً الأقباط وحتى آخر الزمان لم يكن لهم وجود منفصل عن الوجود المصرى، وشأنهم شأن كل المصريين، وفكرة الانقطاع عن الجذور الثقافية، وإحلال ثقافة مغايرة، تفسر حالة الارتباك والفوضى الفكرية والثقافية التى نعيشها حالياً، فما زال السؤال عن الهوية قائماً، بعيداً عن الأقباط، والكل يتساءل: هل نحن عرب أم أفارقة أم ساميون؟ وتلك أسئلة تتردد بين الناس كلهم، وهذا هو الخطر، ألّا تستطيع أن تقول جملة مفيدة عن من هم المصريون، وهذا صراع يذكيه الربط القسرى ما بين العروبة والإسلام، فرغم أن هناك إسلاماً فى إيران وتركيا وأفغانستان فإنهم لم يرتكبوا حماقة ترك لغتهم إلى لغة أخرى، وهذا ليس له علاقة بتقييم اللغة، وبالتالى الغطاء الإسلامى أكبر من الغطاء اللغوى، لكن قد يكون الاعتقاد بأن لغة القرآن هى اللغة العربية، وأن تكون اللغة مقدسة، فيصير الكلام عن اللغة كلاماً عن الإسلام، وهو المعوق الأول لإرجاعنا إلى خصوصيتنا المصرية، خاصة أن هناك مادة فى علم الاجتماع بأن التعدد ثراء، فهناك فى العراق من يتحدث الكلدانية دون أن يتهم فى العقيدة الدينية، والغريب أن القومية العربية كفكرة تبناها وأسسها مسيحيو الشام، الذى أخذها بعد ذلك جمال عبدالناصر وحاول تمصيرها وعمل دورة جديدة، ووسط كل هذا كان الأقباط خارج الصراع، فليس الحديث عن القبطية هو مقاومة للعربية أو الإسلام.
لماذا الأقباط أكثر تمسكاً وحماساً للتاريخ الفرعونى؟
- لأنه ربما يكون الملجأ فى مواجهة حالة التصحر العربى الذى يتفشى الآن، مع الصحوة التى صنعها الرئيس أنور السادات للتيارات الإسلامية الراديكالية، وبالتالى قد يكون محاولة للاحتماء فى وجه هذه الهجمة المتصحرة وليست العربية.
الرئيس مهتم بتعزيز الوعى وإعادة الهوية المصرية ومن ضمنها التاريخ القبطى، كيف ترى تلك الخطوة؟
- خطوة فى منتهى الأهمية لأنها ترد الأمور إلى مربعها الثقافى الصحيح وليس المربع السياسى، فنحن حينما نتكلم عن الهوية القبطية فإننا نتحدث كما قال الدكتور ميلاد حنا فى كتابة «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، ونحن نسترد واحداً من عوامل القوة للإنسان المصرى، بعيداً عن أحادية الدين، وتأكيداً للوحدة الوطنية.