مصر العربية: مصر «عمود الخيمة» للأمة العربية.. تحديات مشتركة.. ومصير واحد
عبدالناصر دعم الثورات العربية لتحقيق حلم القومية
«لا أمل أن أكرر التشبيه الهندسى، وهو أن مصر هى عمود الخيمة للأمة العربية وللمنطقة، فإذا انكسر أو اختفى العمود الأوسط أصبحت الخيمة قطعة من القماش ملقى بها فى الساحة الدولية»، هذا ما كتبه ميلاد حنا فى الفصل الرابع من كتابه «الأعمدة السبعة»، تحت عنوان «العمود العربى»، مؤكداً الصلة العميقة بين مصر وأمتها العربية سياسياً واقتصادياً وحضارياً أيضاً.
ما كتبه «حنا» على صفحات كتابه، عبّر عنه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، على أرض الواقع مؤسساً وداعياً إلى فكرة القومية العربية التى عمل على توحيد المنطقة تحت رايتها.
«الدسوقى»: «مصر ناصر» كانت على خط القيادة الأول للأمة.. و«عبدالحميد»: «القاهرة» قدّمت للعرب ما لم تقدمه عاصمة أخرى.. و«السحمرانى»: مصيرنا مشترك
لم يتوانَ «عبدالناصر» عن أى خطوة فى سبيل دعم القومية العربية وثورات التحرير العربى، وكانت البداية من الجزائر، حيث أمر فى نوفمبر 1954 بتقديم مساعدات غير محدودة للثورة الجزائرية لمقاومة المحتل الفرنسى، وشملت المساعدت معدات وأسلحة عسكرية، إضافة إلى الدعم الإعلامى من إذاعة «صوت العرب» من القاهرة، وبعد نحو 10 سنوات من الدعم المتواصل من مصر إلى الجزائر، نجح البلد الشقيق فى التخلص من الاحتلال وإعلان استقلاله.
وفى سبتمبر 1957، سارع «ناصر» بإرسال بعض الوحدات العسكرية إلى سوريا كعرض رمزى للتضامن، مما رفع مكانته فى الوطن العربى، خاصة بين السوريين، وذلك بعد أن احتشدت القوات البرية التركية على طول الحدود السورية، معطية بذلك مصداقية للشائعات التى راجت عن تجهيزات إقليمية للإطاحة بالحكومة السورية. وبعد 5 أشهر فقط، أعلن الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، وكان رد الفعل الأولى فى الوطن العربى هو الذهول وفقاً للكثير من المؤرخين، لكن سرعان ما تحول الذهول إلى نشوة كبيرة، وسافر «ناصر» إلى دمشق فى زيارة مفاجئة للاحتفال بالوحدة، وكان فى استقباله مئات الآلاف من المواطنين.
منذ هذا التاريخ، تحول «ناصر» إلى زعيم عربى أوحد فى المنطقة، وتحولت مصر إلى كونها القلب النابض الذى يحرّك ويدعم ثورات التحرّر العربى فى الإقليم كله، ومع يوليو 1958 تواصلت نجاحات القومية العربية بإعلان قيام الجمهورية العراقية، وانتهاء حقبة العهد الملكى، من خلال البيان الأول لحركة «الضباط الأحرار» العراقيين، التى حملت الاسم نفسه لثوار يوليو فى مصر، وجاء إعلان نجاح الثورة العراقية بعد سلسلة دعم من «عبدالناصر»، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، فضلاً عن الدعم الدبلوماسى لها فى المحافل الدولية.
وقال الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث، إن مصر لعبت فى الخمسينات والستينات دوراً عربياً لتحرير شعوب المنطقة، وأسهم توجه «عبدالناصر» أن يضع مصر فى خط القيادة الأول لأمتها، وأصبحت بحق القلب النابض للإقليم كله، مضيفاً: «التأثير المصرى فى المحيط العربى وصل إلى أعلى درجاته ومراحله مع جمال عبدالناصر، وأصبحت كل حركات التحرير العربى تستمد قوتها من القاهرة التى بات صوتها مسموعاً ومؤثراً من المحيط إلى المحيط»، مشيراً إلى أن «عبدالناصر» تمكن من تحويل أفكار القومية العربية إلى مشروع سياسى واضح، وله ملامح محددة على أرض الواقع.
وكانت اليمن أيضاً حلقة من حلقات دعم مصر للقومية العربية خلال الستينات، حيث سارع «عبدالناصر» بدعم الجمهوريين اليمنيين فى حرب شمال اليمن، أو ما عُرف بـ«حرب اليمن»، وأسهمت مساعداته العسكرية والسياسية التى استمرت لسنوات فى انتصار الجمهوريين بنهاية المطاف وإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فى سبتمبر 1962، كما لم يتوقف عن تقديم مساعداته للثوار فى الجنوب اليمنى للتخلص من الاحتلال البريطانى هناك، كما أسهم الدعم المصرى الذى وصل إلى ذروته بسفر «ناصر» إلى الجبهة باليمن، فى نجاح اليمنيين فى التخلص من الاحتلال أكتوبر 1963. وقال «ناصر» من صنعاء عبارته الشهير فى مؤتمر جماهيرى ضخم: «على الاحتلال أن يحمل عصاه ويرحل من اليمن».
وقال الدبلوماسى اليمنى على محسن حميد، سفير اليمن السابق لدى عدة دول، إن مصر جزء لا يتجزأ من أمتها العربية، و«ناصر» كان يرى المستقبل جيداً، ويدرك تماماً المصلحة المصرية العربية المشتركة، مؤكداً أن جميع الدول العربية تنظر إلى مصر بامتنان، نظراً للدور المصرى الذى لعبه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى دعم ثورات التحرير العربى، ومحاربة الاستعمارين الإنجليزى والفرنسى بالمنطقة، مضيفاً: «هذه ثوابت تاريخية لا يمكن أن ننساها أو ننكرها، مصر قدمت للعرب ما لم تقدمه دولة أخرى، وكل العرب كانوا يشعرون بالفخر لأن لديهم زعيماً اسمه عبدالناصر».
وفى أواخر فترة حكم «جمال» جاءت محطة جديدة على طريق المصير المصرى العربى المشترك، بتوقيع «ميثاق طرابلس» مع ليبيا الشقيقة، وذلك بعد دعمه الثورة الليبية خلال أشهر طويلة حتى نجاحها، ثم أنشئ فى 1969 ما سُمى بـ«الجبهة القومية العربية». وجاء دعم «عبدالناصر» للثورة الليبية حلقة جديدة لدعم الثورات القومية العربية قبل عام واحد من نهاية حكمه مع وفاته فى سبتمبر 1970.
وقال الدكتور أسعد السحمرانى، عضو المؤتمر العربى - الإسلامى، أمين الشئون الخارجية فى اتحاد الكتاب اللبنانيين، إن جميع العرب يدركون جيداً أن مصر هى «القلب النابض» للمنطقة كلها، وإن المنطقة تتراجع وتتخلف فى الأوقات التى يتوارى فيها الدور المصرى، وتتقدم للأمام وتقوى فى مواجهة أعدائها فى الأوقات التى يزدهر فيها دور مصر، مضيفاً: «هذه علاقة تاريخية وأبدية لا يمكن أن تنفصل بقرار حاكم أو توجهات حكومة، فمصر هى أم العروبة إن جاز التعبير، ولدينا مصير مشترك ومصالح واحدة»، مشيراً إلى أن الظروف اختلفت كثيراً عن فترة الخمسينات والستينات، لكن تبقى الثوابت التاريخية لا يمكن تغييرها، حسب قوله.