تجارب دولية.. هؤلاء نجحوا فى تجاوز أزمات ما بعد «التعويم»
ماليزيا إحدى التجارب الناجحة وبورصاتها تقود الأسواق العالمية
كان أول التحديات أمام إدارة ملف السياسة النقدية بالبنك المركزى عند اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف المعروف بـ«التعويم» هو ذلك الموروث القديم عن تجارب عدد من الدول التى أقدمت على تلك الخطوة، وما روجه البعض قبل الثالث من نوفمبر من العام 2016 حول عدم قدرة مصر على تحمل تبعات ذلك القرار محلياً، إلا أن التاريخ الاقتصادى للأمم يحمل نماذج ناجحة وقريبة الشبه بمجريات الأمور وما حدث فى مصر السنوات الأخيرة لعل أهم تلك التجارب البرازيل وماليزيا والمغرب.
فى هذا التقرير وقبل أن نستعرض تلك التجارب، لا بد من التطرق إلى الدراسات الصادرة عن المركز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التى شرح خلالها سياسة تحرير سعر الصرف فى الدول النامية التى من بينها مصر، ويؤكد المركز أن معظم بلدان الدول النامية، لا سيما الدول الأفريقية من ضمنها مصر، تسعى جاهدة لإيجاد سياسة لسعر الصرف والتى تحقق الموازنة بين زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية وطمأنة المستثمر الأجنبى من عدم تعرض سعر الصرف لتقلبات قد تؤثر على استثماراته فى الداخل وهذا الجانب يميل نحو تحرير سعر الصرف وكذا المواءمة مع ألا يكون سعر الصرف المحدد يضر بالمستثمر المحلى فى ارتفاع أسعار وارداته وبالتالى ارتفاع معدلات التضخم وأثرها على الاقتصاد القومى وهذا الجانب يميل إلى تثبيت سعر الصرف.
واذا كانت هناك شكوك بشأن عدم نجاح سياسة «التعويم» فى بعض الدول، فإن تاريخ الأمم يعكس نجاح دول أقرب إلى الواقع الاقتصادى لمصر وتجاوزت أزماته أيضاً وحجزت لنفسها مكاناً مميزاً على خارطة العالم الاستثمارية.
فبرغم قسوة تجربة البرازيل التى قررت عام 1999 اتخاذ قرار التعويم فى ظل ظروف اقتصادية أكثر من صعبة، وانخفضت قيمة الريال البرازيلى فى ذلك الوقت بنسبة كبيرة، ما أدى إلى ارتفاع السلع المستوردة وزيادة التضخم، وبالتبعية انعكس ذلك سلباً على الطبقات الكادحة والمتوسطة، قبل أن يعتدل سعر العملة البرازيلية فى 2004، مع الإصلاحات الاقتصادية.
ماليزيا تعبر الأزمة بالتصدير.. ونيجيريا ضربت السوق السوداء.. والمغرب أقدمت دون خوف
وليست المغرب الدولة العربية ببعيدة عن دول شجاعة أقدمت على تحرير سعر عملتها، ويشير متابعون لاقتصادات الشمال الأفريقى إلى أن قرار تحرير سعر صرف العملة بالمغرب لم يكن وليد اللحظة، بل بدأ محافظ بنك المغرب المركزى، عبداللطيف الجواهرى، التلميح إلى هذا التوجه منذ نهاية عام 2015، حينما صرح بأن المغرب ينوى الاتجاه نحو نظام صرف مرن، وأنه يجرى الإعداد للعملية بطريقة متأنية، وبالفعل استغرق المشروع فترة كبيرة من التحضير، تخللتها عدة لقاءات بين الجانب المغربى وخبراء صندوق النقد الدولى، للتباحث حول طريقة الانتقال من نظام سلة العملات إلى نظام صرف مرن.
أفريقيا أيضاً وتحديداً نيجيريا التى اتجهت إلى نظام الصرف المرن، قررت فى يونيو 2016، أى قبل اتخاذ مصر القرار بخمسة أشهر فقط، نيجيريا تخفيض عملتها المحلية عندما خفف صناع السياسة الضغوط السوقية على عملتها مقابل الدولار، ما جعل سعر العملة فى السوق السوداء يقل بنحو 50% عن السعر الرسمى حتى تم رفع القيود وهبطت العملة بنحو 30% فى ذلك الوقت، ولم تنخفض منذ ذلك الحين إلا بنحو 10% فقط حتى الآن.
أما ماليزيا، الكيان الاقتصادى الصاعد دوماً، فتعد نموذجاً حياً للجرأة الاقتصادية، إذ أعلنت محافظة البنك المركزى الماليزى فى يوليو 2015 أن حكومة بلادها قررت التخلى عن سياسة ربط عملتها الرينجيت بالدولار الأمريكى واستعاضت عنها بسياسة تحرير محكوم للعملة، وقالت إنها لا تتوقع أن يختلف سعر صرف الرينجيت بدرجة كبيرة عن مستواه الراهن، وكان سعر الرينجيت مثبتاً عند مستوى 3.8 للدولار منذ سبتمبر عام 1998 عندما تقرر ذلك لمساعدة ماليزيا على التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية.
من جهته، قال المدير السابق لمنتدى دافوس، شريف الديوانى، إن النموذج الأقرب لما يحدث فى مصر اليوم هو التجربة الماليزية، وأكد «الديوانى» لـ«الوطن» أن اهتمام ماليزيا بملف التصدير مكنها من نجاح تجربة تحرير صرف عملتها، كما مكنها من حجز مكانة قوية بين اقتصادات العالم كله، لافتاً إلى أن اهتمام الإدارة السياسية فى مصر بملف التصدير أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقيق ولعل ما نراه اليوم من اهتمام بتقليل فاتورة الاستيراد مع فتح أسواق جديدة للمصدرين دليل قاطع على ذلك.
وأوضح الرئيس السابق لمنتدى دافوس أن مصر واقتصادها قد عبرا ما يطلق عليه مرحلة عنق الزجاجة وبات الأمر مرهوناً الفترة المقبلة بأن تنطلق مصر عبر خطوات جادة لإتاحة منتج جيد يليق بمنافسة منتجات الصين التى غزت العالم، مضيفاً: من هنا ستزيد ثقة المواطن أكثر فى خطة الإصلاح التى تتبناها الدولة ومن ثم تبدأ مرحلة جديدة فى العلاقة بين الجنيه والدولار لتتبدل من مقاومة دائمة من الجنيه للاستقرار عند سعر معين إلى مرحلة التحرك القوى لينخفض الدولار أمام الجنيه بشكل عملى.