اجتمع المجلس المركزى الفلسطينى فى دورته الثلاثين على مدار يومين وسط غياب بعض القيادات والفصائل الفلسطينية، وجاءت هذه الدورة لمواجهة الظروف والتحديات التى تمر بها القضية الفلسطينية، وهى أخطر المراحل التى عاشها الشعب الفلسطينى فيما وصفها الرئيس محمود عباس باللحظة التاريخية التى ستقرر «إما أن نكون أو لا نكون» فالسلطة الفلسطينية مقبلة على قرارات غاية فى الأهمية والصعوبة. فقد قرر المجلس إنهاء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال (إسرائيل)، وفى مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، نظراً لاستمرار تنكر إسرائيل للاتفاقات الموقعة، وما ترتب عليها من التزامات وباعتبار أن المرحلة الانتقالية لم تعد قائمة، كما قرر وقف التنسيق الأمنى بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادى على اعتبار أن المرحلة الانتقالية بما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للاستمرار فى عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة.
وإذا كان المجلس المركزى قد خوَّل الرئيس أبومازن واللجنة التنفيذية بمتابعة وضمان التنفيذ، فإنه أيضاً قد حمل حركة حماس المسئولية الكاملة عن عدم الالتزام بتنفيذ جميع الاتفاقات التى تم التوقيع عليها وإفشالها، لكن هذه ليست المرة الأولى التى يتخذ فيها المجلس المركزى قرارات بشأن العلاقة مع الإدارة الأمريكية وإسرائيل للتغطية على مسئولية القيادة الرسمية فى تعطيل تنفيذ هذه القرارات، فقد كان يجب أن تجد طريقها إلى التنفيذ منذ دورة المجلس المركزى فى مارس عام 2015، والمجلس الوطنى الذى انعقد فى أبريل الماضى حين دعت القرارات بوضوح إلى ضرورة إعادة العلاقة مع إسرائيل، باعتبارها دولة احتلال استيطانى، ودولة تمييز عنصرى وتطهير عرقى، وبالتالى ما يترتب على ذلك من سياسات للتحرر من قيود اتفاق أوسلو بما فى ذلك طى صفحة المفاوضات الثنائية، أما القرار الخاص بتولى الرئيس محمود عباس متابعة تنفيذ قرارات المجلس بتشكيل لجنة وطنية لتنفيذها وفق الأولويات فإن ذلك يكرر تجارب سابقة فلا وظيفة لهذه اللجان غير إدامة سياسة تعطيل القرارات وإحالتها من دورة إلى دورة، لإضاعة الوقت وتعويم المسئوليات وتهميش دور الهيئات المنوطة بذلك فى منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة اللجنة التنفيذية باعتبارها الجهة التى تترجم تلك القرارات إلى سياسات ملزمة وواجبة التنفيذ.
إن تجاهل بيان المجلس المركزى لقرارات المجلس الوطنى بإلغاء الإجراءات التى تمس المصالح الحيوية للمواطنين فى قطاع غزة، هو بمثابة خطوة تراجع إلى الوراء، تتناقض مع الإجماع الفلسطينى ولا يخدم المصلحة الوطنية، وإنما يخدم جهة بعينها، فإعادة المجلس المركزى ما بات يسمى برؤية الرئيس، إنما يشكل تراجعاً ومخالفة لقرارات الشرعية الدولية وقرارات المجلس المركزى والوطنى، وهو ما يفسر مقاطعة ثلث أعضاء المجلس المركزى لدورة المجلس ويعكس عمق الأزمة التى تمر بها العلاقات الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، وكان الهدف من ذلك توجيه رسالة للتأكيد على ضرورة الكف عن تجاهل قرارات الهيئات التشريعية، رفضاً واحتجاجاً على سياسة الاستفراد بالقرار وفق مبادئ الشراكة الوطنية، فقد شكلت المقاطعة ورقة ضغط على القيادة الرسمية منعت المجلس من الانجرار وراء بعض القرارات المتطرفة التى ستزيد من عمق التصدع فى الوحدة الوطنية ونسف مسيرة المصالحة.