.. ولأن آفة حارتنا النسيان، أجد لزاماً علىَّ أن أنشط ذاكرة البعض بقصة «الأسد والثيران الثلاثة»، مخاطباً ثلاثة أصناف من البشر، هم مَن لا يعرف القصة، ومَن نسيها، ومَن تناساها عمداً، وهذه القصة التراثية هى التى أخذنا منها المثل العربى الشهير «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، وملخّصها: كان هناك ثلاثة ثيران «أحمر وأبيض وأسود»، وقد جمعتهم علاقة متينة، فأراد أسد جائع الانقضاض عليهم، فصدوه ورجع يجر أذيال الخيبة. ولم يهدأ له بال حتى عاد وقد حَبَكَ خدعة قوية تمكّنه من سد جوعه، فذهب للثورين الأسود والأحمر، وقال لهما: «أنتما أصدقائى، ولا أريدكما، بل أريد فقط الثور الأبيض كى لا أموت جوعاً»، فكّر كل من الثورين فيما قاله الأسد، ووجد كلامه صدى فى نفسَيهما. فقالا: «الأسد على حق، وسنسمح له بأكل الثور الأبيض». وبالفعل انقضَّ الأسد على الثور الأبيض، وسدَّ جوعه، بل أكل حتى ظل شَبِعاً أياماً وليالى، حتى عاوده الجوع مرة أخرى، فحاول الهجوم على الثورين «الأسود والأحمر»، لكنه لم يستطِع النيل منهما، فأخذ يفكر فى حيلة أخرى تؤمّن له الطعام، فذهب للثور الأسود معاتباً: «لماذا هاجمتنى، وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر». فردَّ الثور: «أنت قلت ذات الكلام عند أكل الثور الأبيض». فردَّ الأسد بنبرة مخادعة قائلاً: «ويحك، أنت تعرف أننى أستطيع هزيمتكما معاً، لكننى لا أريدك أنت». فكّر الثور ووافق بسبب خوفه وحاجته للأمان، وانقضَّ الأسد على الثور الأحمر والتهمه حتى ملأ بطنه وظل شبعان لليالٍ طويلة، حتى عاوده الجوع مرة أخرى، حينها لم يجد أمامه سوى الثور الأسود، والذى صرخ: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، أوقفت هذه الكلمات الأسد، وجعلته يتراجع قليلاً، فسأله: «لماذا قلت الثور الأبيض ولم تقُل الأحمر، والذى عندما أكلته أصبحت وحيداً». فردَّ الثور الأسود: «لأننى حينها تنازلت عن المبدأ الذى كان يجمعنا ويحمينا، ومَن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض، فقد أعطيتك الموافقة أيضاً على أكلى».
هذه القصة أسردها علَّها تفيق مَن يحرضون الرئيس الأمريكى ترامب على مهاجمة المملكة العربية السعودية، ولكل هؤلاء فقط أذكرهم بما جرى للمنطقة عقب الغزو الأمريكى للعراق، وإسقاط نظام صدام حسين، وسقوط بلد عربى شقيق فى هوة سحيقة لم يخرج منها حتى الآن، وخلق الظروف الملائمة لولادة «داعش» وأمثاله من المنظمات الإرهابية، وقضى على العالم العربى وحوّله إلى منطقة ملتهبة، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذى يضرب العالم اليوم، وشهدنا المؤامرة التى صدّروها لنا تحت مسمى الربيع العربى كأحد أهم تداعيات تلك الكارثة، التى كلفت العالم العربى وفقاً للبيانات الدولية خسائر تقدَّر بنحو 830 مليار دولار، فضلاً عن الدمار الحاصل فى دول مثل وليبيا واليمن وسوريا.
بقليل من العقل والحكمة، يرحمكم الله، الأسد لن يشبع وسيلتهمكم واحداً بعد الآخر ولو طالت السنوات، لا أحد بمأمن.. التضامن العربى ليس مجرد شعار، هو الآن ضرورى للبقاء، وتذكروا ما قاله «المتنبى»: «مَن يهُن يسهل الهوان عليه».