مرت ذكرى كاتب الشرق الأول عباس العقاد دون أن يلتفت إليه أحد، «العقاد» هُضم فى حياته وبعد مماته لأنه لم يجامل أحداً، حارب الصهيونية والنازية والشيوعية، فهو أول من أطلق عليها «أفيون الشعوب»، وحارب الفكر الدينى المتطرف والتبشير والتطرف العلمانى، وواجه الملك فؤاد وفاروق، ولم يمدح عبدالناصر أو يتزلف إليه كما فعل غيره، فعل ذلك وهو فى ساحة المواجهة وحيداً فريداً شامخاً أبياً.
ألف قرابة 160 كتاباً من أعظم ما يزين المكتبة العربية والدولية، فلا توجد مكتبة فى أوروبا وأمريكا ليس فيها ترجمات لكتب العقاد وعنه، وهو الأديب العربى الأول فى كم الرسائل الجامعية التى كتبت عنه وعن أدبه فى الغرب، «العقاد» عبقرى اهتم بالعباقرة وكتب عنهم وأغفل الكتابة عن الحكام والملوك، وكتب عن فاطمة الزهراء وأنصف عائشة أم المؤمنين، فضلاً عن الأنبياء والصحابة مروراً بغاندى والأم تريزا.
العقاد فيلسوف كبير يضن الزمان أن يجود بمثله، حينما سئل: من الذى تتمنى أن تكتب عنهم فقال «كليم الله موسى، بوذا، وكونفوشيوس، الأفغانى، الغزالى»، وهو أعظم وأول من كتب عن المسيح، أفضل من أى قسيس أو شيخ.
العقاد «نسيج وحده»، رقيق رغم صلابته فى الحق، رأى سجاناً يضرب سجيناً بالكرابيج فظل يبكى عليه فى زنزانته ولم يذق النوم أسبوعاً كاملاً حتى كاد أن يهلك، رائع وهو يعرف اليوم الجميل بأنه «ذلك اليوم الذى نملك فيه دنيانا ولا تملكنا ونقود فيه شهواتنا ولذاتنا ولا ننقاد لهما، أو ذلك اليوم الذى أرتضى فيه عملى الطيب الذى أذكره ما حييت حتى وإن لم يسمع به إنسان».
العقاد هو أكثر الكتاب العرب الذين ترجمت أعمالهم إلى معظم لغات العالم ومنها «الله، وعبقرية محمد، وعبقرية الإمام على، وأبوالشهداء.. وغيرهم».
وهو أول من جمع بين الإسلام والديمقراطية جمعاً صحيحاً، وأول من قال «التفكير فريضة إسلامية» فجعلها عنواناً لأحد كتبه، وأول مسلم كتب كتاباً كاملاً ورائعاً عن المسيح بن مريم.
كان عبقرياً فى قراءته للنفس البشرية، تأمله «علمتنى تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التى ننفرد بها ولا تغيظهم النقائص التى تعيبنا، وأنهم يكرهون منك ما يصغرهم لا ما يصغرك».
وكان مع قوته نبيل النفس، فها هو يهتف: «إننى أكره الهزيمة فى كل مجال، ولكن يشهد الله أننى أعاف النصر إذا رأيت أمامى ذل المنهزم، ولولا أن هزيمتى أبغض إلىّ من هزيمة خصمى لأبغضت النصر الذى يفضى لا محالة إلى انهزام واستسلام»، الفكر والأدب لا يطعم جائعاً ولا يفتح بيتاً، كلنا يعرف ذلك الآن وقديماً، فكان العقاد رغم إنتاجه الغزير تمر عليه أيام لا يجد قوته رغم أنه لم يتزوج، وقال مرة «من يصدق أن كاتب الشرق الأول لا يجد أجر جراحة لعينه»، كان العقاد يتألم لأنه يخوض المعارك الكثيرة نيابة عن وطنه، سواءً ضد الشيوعية أو النازية والصهيونية أو الإلحاد أو التطرف حتى إذا جاء موعد الجوائز تعطى لغيره، كان لا يريد البقاء لعمر المائة، ولكنه كان يتمنى أن يموت فى اليوم الذى يتوقف فيه عن الكتابة.
رحم الله «العقاد» وصاحب كل قلم شريف.