تطرق السيد الرئيس فى حديث المصارحة والمكاشفة فى الدورة التثقيفية التاسعة والعشرين، التى عقدتها القوات المسلحة فى ذكرى انتصار السادس من أكتوبر إلى ما حدث فى يناير 2011، واصفاً إياه بأنه كان علاجاً خاطئاً لتشخيص خاطئ، وهو ما يدعو للنظر إلى حراك يناير 2011 -وقد قصدت تسميته بالحراك للاختلاف على مسماه بين المؤيدين والمعارضين- اليوم وبعد مرور قرابة ثمانية أعوام بطريقة أكثر موضوعية عن سنوات مضت؟ وواقع الحال أن الموضوعية فى تقييم القضايا المصيرية والأحداث الجسام فضيلة غائبة عفى عليها الزمان، وتتجلى أهم صورها فى الاختلاف على إنجازات رؤساء الدول والحكومات فأنصاره لا يرون فى مسيرته خطأ واحداً، وخصومه لا يكتفون بالحديث عما يعتبرونه أخطاءه الفادحة، وينكرون عليه أوضح الإنجازات وينسبون إلى حكمه المسئولية عن أخطاء الماضى والحاضر، ولم ينجُ حراك يناير بطبيعة الحال باعتباره حدثاً استثنائياً فى التاريخ المصرى المعاصر من غياب الموضوعية فى تقييمه بين من يراه ثورة شعبية أصيلة لها أسبابها ومسبباتها الواضحة فى النظام الذى انقضَّت عليه مع استبعاد نظرية المؤامرة من الخارج مهما صغر حجمها فى مجريات أحداثه، ومن لا يرى فيه سوى مؤامرة خارجية حركتها قوة عظمى أو كبرى أو إقليمية لوضع رؤية جديدة لهذه القوى لإدارة دفة الأمور فى مصر ومنطقتنا العربية دونما اعتبار لإرادة الشعب المصرى؛ وفى واقع الأمر فإن إنكار مسببات حراك يناير وتجذّر عوامله يجافى الحقيقة، ذلك أن هذا الحراك قد تفجر ضد نظام شاخت وتجبرت قياداته على مدار قرابة ثلث القرن، واشتمت رائحة فساده من كل صوبٍ وحدب، واختلطت فيه السلطة بالثروة عياناً بياناً، وأطاحت سياساته باعتبارات الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية غير عابئين بأنين الشعب وتأوهات المساكين، وتراجع الدور المحورى الإقليمى والعالمى لدولة كانت يوماً رمزاً للقيادة العربية والفعالية الإقليمية وحجر الزاوية على الساحة العالمية، ومما زاد الطين بلة أن شاع الحديث وكثر النفاق وعلا الطبل وزاد التطبيل ببجاحة وتضليل عن رغبات شعبية فى توريث الحكم، كل هذه كانت مؤشرات الانتفاض على هذا النظام المتجبّر الذى أخذ منحناه فى الصعود كماً وكيفاً فى خلال الخمس سنوات السابقة على حراك يناير، وقد توقع الكثيرون من المحللين -غير المنافقين ولا المتملقين- سقوط نظام مبارك قبل يناير 2011، ومع كل هذه الإرهاصات، فقد سادت ظاهرة العمى الكامل لإدراك السقوط فى هاوية التاريخ، والذى يصيب النظم المترهلة والمتجبرة، حتى اللحظات الأخيرة التى سبقت هذا الحراك، والذى كان أدلّها القول الشهير «خليهم يتسلوا»، وكذلك العبارات اليقينية بأن «مصر ليست تونس»، بل لقد ظل هذا العمى سائداً حتى بعد بداية الحراك بدليل الكبر والغطرسة الذى أصاب عناصر النظام والرفض فى حل مجلس الشعب والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة وإنكار حكم الديمقراطية، والاكتفاء بتعديل بعض مواد الدستور أو الإقرار بصحة بعض الطعون الانتخابية، متوهمين بأن هذا أو ذاك كفيل بإنقاذ هذا النظام.
..وللحديث بقية