كانت مصر دولة رائدة فى تطبيق نظام (الأوفست المباشر) لتتبعها تركيا، وبعد ذلك صار هذا النظام مطبقاً مع صفقات السلاح الصغيرة، فاتبعته أستراليا وكندا، لتصير الدول الأربع فى مقدمة ١٢٠ دولة فى العالم تطبق هذا النظام، ومع ذلك فإن تلك الاستفادة لم تكن هى غاية أبوغزالة لأن آماله كانت تمتد إلى التصنيع الكلى للمعدة، ونقل تكنولوجيتها كاملة إلى خبرة المصريين، ولن تقف عند إنتاج قطع الغيار التى تعتمد أيضاً على تطوير التكنولوجيا المحلية والاعتماد على النفس تجنباً للضغوط المستقبلية التى قد تنشأ عند الحاجة إلى قطع غيار ولكن تظهر عوائق لأسباب سياسية، كان هذا الإنجاز وحده غير كافٍ لأبوغزالة لأنه يريد عائداً مالياً وفيراً من الإنتاج الحربى يساعده على التطوير الكامل الذى ينشده للجيش، وعلى هذا الأساس ظل مراقباً لحركة سوق السلاح وخباياه، حتى جاءته الفرصة لمراوغة أمريكا بمناقصة دولية أقيمت من أجل إدخال دبابة قتال رئيسية، بالإضافة إلى نقل تكنولوجيا الدبابة، ولكن أمريكا لم تدخل المناقصة، حتى لا تدعم مصر بدبابة (أبرامز) المتطورة على حساب حليفتها إسرائيل، وظناً منها أن دول أوروبا لن تدعم مصر فى امتلاك دبابة قوية، لكنها فوجئت بالعديد من الدول تسعى للفوز بالمناقصة، ومنها بريطانيا، ودباباتها (تشالينجر)، فقررت أن تعرض على مصر دبابة (الأبرامز) بنسبة إنتاج ومكون محلى محدود، على أن تزداد كلما تم تجديد التعاقد لزيادة العدد وقبلت مصر الصفقة، وبهذا دخلت دبابة (الأبرامز) الأقوى عالمياً فى الخدمة بالجيش المصرى.
وفى أغسطس ١٩٨٤ وقّعت شركة (جنرال دينامكس) اتفاقية قيمتها ١٥٠ مليون دولار مع مصر لتأسيس مصنع الدبابات، وشمل الاتفاق تصميم المصنع (مصنع ٢٠٠) وإدارة تشييده والتسهيلات وبداية العمل فيه، وبعد ثلاثة شهور من نشأة المصنع وافقت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) على تمويله من ميزانية المساعدات العسكرية التى وافق عليها الكونجرس فى ذلك الوقت، وهى جزء من (١٣٠٠) مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر، وفى هذا السياق ذُكر فى تقرير الكونجرس أن هناك مشكلة فى تعاقد المصنع، حيث إن وزارتى الدفاع والخارجية لم تشتركا فى التوقيع على عقد تأسيس المصنع، ولذلك فإنه لا يمكنهم فى أى وقت إيقاف تشغيله ولا يملكان منعه من إنتاج الدبابة الأكثر تطوراً فى العالم (أبرامز)، والمعروفة باسم (إم ١ - إيه ١) وهذا هو سبب الجدل فى واشنطن بين الوزارات والمصالح ذات الصلة بشأن المصنع المصرى، والحقيقة أن أبوغزالة كان شديد الحرص على أن يكون التعاقد مع الشركة المصنعة فقط حتى لا يدخل المصنع فى أى وقت تحت طائلة الضغوط السياسية أو الابتزاز الاقتصادى، ومع ذلك فإنه حتى يومنا هذا يتعرض هذا المصنع لمناوشات أمريكية سوف نتطرق لها عندما نلحق بالحقبة التسعينية فى عهد وزير الدفاع المشير طنطاوى، وكيف تصدت مصر لكل ما يحاك من أجل إيقاف المصريين عن التصنيع الحربى، ولهذه الدبابة موقف مع بداية وزير الدفاع المشير السيسى الذى أخرجها من مخازنها، لتكون باكورة عهد تطوير وتحديث للجيش المصرى الذى أصابه الكثير من التجريح المعنوى على يد من أطلق عليهم النشطاء وأيضاً الإخوان سنعرض هذا فى حينه.
ولكن مسيرة الدبابة (أبرامز) ومعاناة مصر من جراء التصدى لمحاولات تحويل المصنع لإنتاج الجرارات أو أشياء أخرى، أو القيام بإغلاقه أو إنتاج أنواع أخرى من الدبابات مسيرة طويلة، وضع لها أبوغزالة المحاذير فى التعاقد، الذى كانت حائط الصد لعدم النيل من مصنع (٢٠٠)، الذى كان تعاقده على إنتاج (٥٥٥) دبابة على دفعات، وقد أخذ تشييد المصنع أربع سنوات، وبدا العمل فى إنتاج الدبابة منذ عام ١٩٨٨، وقد أثير الجدل لدى السياسيين الأمريكان فقال البعض إن المصنع أعد أساساً لإنتاج الدبابات (إم ٦٠)، وما كان يجب السماح للمصريين بإنتاج دبابات (أبرامز)، ويقول آخرون إن المصريين كانوا يعرفون ما يريدون، وإنه إذا كان ولابد من مصنع دبابات، فلماذا لا تكون دبابات أقوى وأحدث؟ وذهب آخرون إلى أن القرار كان سياسياً، ولَم يكن اقتصادياً أو تكنولوجياً، واتخذ فى سنوات الحرب الباردة، وأن وزارة الدفاع المصرية كانت تريد أن يكون فيها مصنع دبابات (أبرامز) ومصانع عسكرية أخرى، لتصبح مصر صانعة الأسلحة الأولى فى المنطقة، وحاول الأمريكان عقد مقارنة بين تكلفة الدبابة عندما تُصنع فى أمريكا، فإن الواحدة تتكلف ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار، أما فى مصر فتتكلف ستة ملايين دولار، وإن استمرار زيادة تقديرات التكلفة يعد مشكلة كبيرة، لكن مصر كان لديها رأى آخر.