فى العام الثانى لتعويم الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية تبدو قيمته ضعيفة وقوته تتراجع باستمرار داخلياً أمام ارتفاع أسعار السلع الأساسية من طعام وشراب وملابس وخدمات يومية كالمواصلات واحتياجات الكهرباء والوقود والعلاج والتعليم وغيرها وترتفع الأسعار بلا أسباب ودون مراعاة لمستوى الدخول فأصبحنا نتحسر على الجنيه الذى لا يشترى شيئاً ولا يسد عجزاً ولا يلبى مطلباً.
والغريب أن الجنيه -طوال عامين- حقق درجة عالية من الاستقرار والصمود والقوة أمام العملات الأجنبية فى البيع والشراء فلم تنهر قوته ولا ضعفت قيمته بل تحسنت قيمته أمام بعض العملات الأجنبية.
وهذا الوضع الملتبس أصبح محيراً للمواطن فكيف يكون الجنيه ضعيفاً محلياً وقوياً عالمياً؟ وكيف نحقق إنجازات وأرقاماً غير مسبوقة ومبهجة فى رصيدنا من العملات الأجنبية وفى معدلات النمو الاقتصادى المالى والمشروعات العملاقة ويتحسن تصنيفنا المالى عالمياً وفى ذات الوقت يعجز الجنيه عن تلبية احتياجات المواطن المحلية اليومية؟
إن خبراء الاقتصاد والسادة الوزراء ورئيس البنك المركزى وقيادات البنوك يجب أن يجدوا حلاً لهذه الحالة الملتبسة التى تؤدى إلى التشكك فى الواقع الاقتصادى الذى تظهره الأرقام وعدم انعكاسه على الواقع المعيشى الذى يحياه المواطن، خاصة أن المواطنين ليسوا خبراء فى الاقتصاد وإنما تحركهم الاحتياجات والإمكانيات.. واستمرار حالة الالتباس والحيرة لدى المواطن تلقى بظلال سلبية على معنوياته وآماله مما يؤثر سلباً على إنتاجيته وربما تدفعه الحاجة التى انتهاج سلوكيات ضارة بالعمل وبالمجتمع ومنها التكاسل أو الاستغلال أو السرقة وغيرها.. ولا بد من تقييم متكامل لآثار تعويم الجنيه.
إن معاناة أصحاب المعاشات والفقراء فى توفير الاحتياجات اليومية امتدت لتشمل غالبية المواطنين نتيجة ضعف الجنيه.. وليس حلها فى زيادة الرواتب فقط لأن الزيادات تلتهمها الأسعار المتصاعدة بلا هوادة.. وإنما حلها فى إعادة القوة للجنيه محلياً كما فعلنا فى الحفاظ على قوته أمام العملات الأجنبية.. وهذا يتطلب حزمة من الإجراءات المالية والاقتصادية التى يعرفها خبراء الاقتصاد جيداً وتأخرت كثيراً.
إن قوة العملة عنصر أساسى فى قوة الدولة فلا تتركوا الجنيه وحيداً أمام أطماع وتجاوزات أحادية تضر بالمجتمع.. والله غالب.