ما إن تُطرح قضية النقاب حتى يتبارى الجميع فى النقاش حول قضية الحريات وهى قضية مهمة لكنها عادة ما تستخدم لهدم الحرية نفسها، فهى قضية حق يراد بها باطل، فالمدافعون عن الحرية لم يدخلوا فى تفاصيل كيف تلبس المرأة النقاب وهل هو قرارها، وإن كان قرارها فعلاً فهل تستطيع التراجع عنه بإرادتها المنفردة؟
أود أن اطرح بعض المواقف التى حدثت لى شخصياً ربما تساعد على نقاش عقلانى:
فى المستشفى
فى سفر لإحدى المحافظات مع أولادى، أحد الأولاد تعرض لمشكلة صحية أثناء النهار، اضطررت إلى الذهاب لأقرب مستشفى حكومى، الطبيبة المنتقبة لم تكلف نفسها خلع قفازاتها السوداء ولبس قفاز طبى، هذا القفاز الذى لا أعرف درجة حساسيته ونقل أى مؤشرات قد تأتى من الجلد، أو حجم الميكروبات التى يحملها والتى قد تنقل مزيداً من العدوى لطفل جسمه فى حالة صحية ربما لا تساعده على المقاومة، لذا طلبت منها قبل الكشف خلع القفاز وارتداء قفاز طبى، نظرت السيدة إلىّ وشعرت أننى لست من الأمهات اللاتى يهبن الأطباء أو النوعية التى قد تمارس فى مواجهتها سلطة الأمر، لذا لبست القفاز الطبى.
بعد الكشف استلزم الأمر إعطاءه حقنة، فإذا بالطبيبة المنتقبة بدأت فى تحضير الحقنة، عندها قلت لها أن تكشف وجهها، لا أثق أن يعطى ابنى حقنة شخص مجهول الهوية، هذا ضد مبدأ المسئولية القانونية، أنا لا أعرفك، وإن حدث مكروه -لا قدر الله- لن أستطيع أن أصفك فى وجود أكثر من منتقبة فى المكان.
تدخلت على الفور ممرضة وأخذت الحقنة من الطبيبة بهدوء وطلبت طبيبة أخرى لإعطائها.
ماذا لو كنت أماً بسيطة؟ هل كانت ستجرؤ على تحرى الدقة لصحة ابنها؟
بالتأكيد لا، بدليل أن هذه الطبيبة كانت فى حالة ذهول مما أقول، لا أحد ناقشها فى السلامة الطبية أو حقوق المرضى ومفهوم المسئولية من قبل!!
فى المطار
منذ فترة عند عودتى من رحلة وفى طابور ختم الجوازات وهو الخط الحدودى الأول الذى يحمى مصر من أى تسلل غير مرغوب فيه، وقفت أمامى فى طابور الجوازات سيدة منتقبة وعندما حل دورها كنت أتوقع أن يطلب ضابط الجوازات منها رفع النقاب عن وجهها ليتأكد من هويتها ومطابقة وجهها واسمها بالصورة، لكنه لم يطلب، ختم الجواز وسمح لها بالدخول، بعدها مباشرة دخلت وأعطيته جواز سفرى وقلت للضابط الشاب، لماذا لم تطلب منها رؤية وجهها، كيف تأكدت أن هذه السيدة هى صاحبة هذا الجواز الذى به فيزا تصرح لها بدخول مصر، أليس من الممكن أن تكون شخصاً آخر ربما سيدة وربما رجل؟ قال لى إن أمين الشرطة سوف يفعل، قلت له إذا كنت أنت يا أخى الصغير استحييت من طلب كشف وجهها، وأنت ضابط صاحب سلطة أعلى، فهل تتوقع أن يجرؤ أمين شرطة صاحب سلطة أقل؟
المشكلة أن قضية النقاب أكبر من قدرات الأفراد أن يتصدوا لها، هى عبء نفسى كبير، لا بد أن يرفعه عنهم القانون، ودور الجميع مراقبة تنفيذه بوضوح، لذا أرى أن مناقشة قضية النقاب من منظور الحريات هى مزايدة إلى حد التدليس، وابتزاز دينى أو عاطفى.