تصريح لافت جاء على لسان المهندس ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، ونشره موقع «المصرى اليوم» يوم الخميس الماضى، قال فيه إن هناك جهات حكومية تتجاوز الحد الأقصى للأجور بمبالغ كبيرة، وضرب مثالاً على ذلك، فذكر أن بالجامعات الحكومية شخصاً يصل دخله إلى 400 ألف جنيه شهرياً. لم يسمّ وكيل الخطة والموازنة شخصاً بعينه، بل عوّم الأمر، لكن فى كل الأحوال، لا بد أن هذا الشخص يتبوأ منصباً ممتازاً فى واحدة من جامعاتنا الحكومية الكبرى ييسر له الحصول على هذا الدخل، الذى يتجاوز الحد الأقصى للأجور.
قبل عام 2011 كان بعض رؤساء الجامعات يحصل على ما يعادل هذا المبلغ أو ما يزيد، خصوصاً فى الجامعات التى تتعدد وتتنوع مواردها المالية. كانت الكثير من القيادات داخل الجامعات وخارجها تبرر لنفسها ذلك، ولا تجد مشكلة فيه، وكان أسلوب اختيارها والمعايير التى يتم الارتكان عليها فى تعيينها فى المنصب تشجعها على ذلك. هذا الأمر كان معلوماً للجميع فيما سبق، الجديد هو ما يشير إليه المهندس «ياسر عمر» من أن بعض هذه الأوضاع لم تزل مستمرة حتى الآن، وأن أحد الكبار بالجامعات الحكومية يقبض كل شهر من جامعته 400 ألف جنيه، والله أعلم بما خفى!.
لقد ذكر الرئيس فى أكثر من مقام أن المصريين يتحملون فى صبر وشجاعة نتائج الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة خلال السنوات الماضية. أساتذة الجامعات جزء من الكتلة الكبيرة الصابرة، فمرتب أكبر أستاذ فى أى جامعة حكومية لا يمكّنه من إكمال الشهر. بعضهم يصرخ بعد أسبوع، وآخرون بعد 10 أيام، وأبطالهم بعد أسبوعين. مكافأة مناقشة الأستاذ الجامعى للماجستير أو الدكتوراه 80 جنيهاً مصرياً، ومكافأة الإشراف على رسالة 250 جنيهاً. أساسى مرتب أكبر أستاذ جامعى فى مصر يقل عن الـ1000 جنيه ببضع مئات تبعاً لعدد سنوات الخدمة، إذا توفى أستاذ الجامعة فليس لأسرته من بعده سوى أساسى المرتب يقبضه أبناؤه كمعاش يعاركون به الحياة. شأنهم شأن كل المصريين يحتمل أساتذة الجامعات كل هذا فى صبر وجلد ويواصلون أداء دورهم.. فمال بال أخينا هذا لا يفعل مثلهم فيبرر لنفسه قبض روح 400 ألف جنيه شهرياً من جامعاتنا الحكومية الفقيرة؟!. ما الميزة التى يجدها هذا الشخص فى نفسه خلافاً لزملائه من الأساتذة، حتى يبرر لنفسه هذا؟.
مطلوب من وكيل لجنة الخطة والموازنة الذى أدلى بهذا التصريح أن يتصرف كشخص مسئول، فيبلغ الجهات الرقابية عنه، ويعلن اسمه على الملأ، لأن هذا الشخص يعبر عن مشكلة أكثر تفرعاً داخل الجامعات، فالكبير الذى يحصل على هذا المبلغ، يمنح من يليه من القيادات المساحة كاملة ليحذوا حذوه، فيستبيحوا لأنفسهم موارد الكليات، ويضعوا أسماءهم فى كشوف البركة الجامعية ليحصلوا على عشرات الألوف شهرياً. المسئول الجامعى صاحب الـ400 ألف جنيه نموذج على كثيرين ممن يتغنون بالوطنية ومحبة الوطن ويقبضون مقابل ذلك ملايين مملينة، أمثاله يوجدون فى الكثير من المجالات والأماكن والمواقع، الوطن فى نظرهم مجرد «خزنة قبض».