فى الوقت الذى كان أبوغزالة يخوض فيه مفاوضات وحرباً شرسة مع أمريكا من أجل التصنيع الحربى فى مصر وبناء صرح عسكرى، استشعر مبارك وقتذاك أن أمريكا تعد العدة للتخلص من وزير الدفاع الذى لديه طموحات عسكرية كبيرة تقلق واشنطن ولَم يعد هناك احتمال ما يصدر عنه حتى لو كان من أبناء مدرستها الفكرية العسكرية فهو يريد النهوض ببلاده إلى أقصى الحدود، وهنا أراد مبارك الحفاظ على الإنجازات العسكرية التى حققها أبوغزالة قبل أن يتم ما لا تُحمد عقباه، خاصة أن تطبيق (الأوفست المباشر) الذى دشنه أبوغزالة فتح مجالات عدة لتصنيع قطع غيار للطائرات وصيانتها فى مصانع الهيئة العربية للتصنيع، وكان العرابى أول رئيس أركان يترأس الهيئة وصارت بعد ذلك تقليداً عسكرياً كوْن رؤساء الأركان هم المسئولون عن التسليح وهذا يعد استكمالاً لدورهم، إلا أن هذا التقليد تغير اعتباراً من وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى وصار لقادة قوات الدفاع الجوى.
فى الوقت نفسه أتى مبارك برئيس أركان يمكنه إحداث تناغم مع أبوغزالة ليخفف بذلك أعباء الضغوط الأمريكية التى صارت تقلق أبوغزالة أكثر من مبارك نفسه، وتم تعيين الفريق صفى الدين أبوشناف رئيساً للأركان عام ١٩٨٧، وكان بينه وبين وزير الدفاع رابط قوى وهو أن أبوشناف ينتمى إلى قبيلة (الجوازى) بالصحراء الغربية أى إنهم أبناء بيئة واحدة لها تقاليد مشتركة مما سهل أمر التعامل والتعاون بينهما وهذا كان مقصوداً من مبارك لتخفيف الضغوط عن أبوغزالة علاوة على أن أبوشناف كان شخصية هادئة ولا تتملكه رعونة.
كان وزير الدفاع عند ذلك مشغولاً باستكمال مشروعات مصر العسكرية ومعركته مع المسئولين الأمريكان بخصوص مصنع الدبابات (إبرامز) وعندما تحدثوا عن فرق التكلفة الشاسع فى التصنيع ما بين أمريكا ومصر كان رده بأن زيادة التكاليف ليست خسارة على المدى البعيد لأنها جزء من عملية تطور سلاح الدبابات وإنشاء صناعات فرعية وتشجيع الصادرات المصرية، وفى قول آخر لهم بأن صحيح المصنع جزء من التنمية الصناعية فى مصر لكن الأهداف الأخرى مثل التصدير ربما لا تتحقق، مع أن مصر عندما وقعت العقد كان هناك اتفاق لتصدير الدبابة للدول المجاورة من خلال خطة عسكرية لمدة خمس سنوات أعلنت عام ١٩٨٨ عندما وقعت مصر هذا الاتفاق فى نوفمبر من العام نفسه، وكان الهدف الحصول على نصيب أكبر من سوق السلاح فى الشرق الأوسط يقدر بـ٢٠ مليون دولار كل سنة وبناء قوة سياسية وعسكرية فى المنطقة والحصول على تراخيص صيانة وإصلاح دبابات جيوش المنطقة، لكن أمريكا باعت لدول الخليج الجيل الأكثر تطوراً من الدبابة وهو (إم ١ - إيه ٢) لتغلق أمام مصر باب التصدير حسب الاتفاق، وأيضاً كان هناك شرط فى العقد يحظر على مصر بيعها الدبابة دون أخذ إذن من أمريكا صاحبة التكنولوجيا الخاصة بها.
غير أن مصر لم تتوقف عند ذلك وأصرت على الإنتاج حتى لو كان لكفاية قواتنا المسلحة فقط، وكانت باكورة إنتاج الدبابة (إبرامز) فى مصر عام ٨٩ وهو العام نفسه الذى قامت فيه أمريكا بضغوط من أجل التخلص من وزير الدفاع أبوغزالة من جراء عملية (الكربون) التى سبق لنا سردها، فى محاولة منها لسماع أقواله، إلا أن مبارك رفض واكتفى بإقالة أبوغزالة من الجيش وتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية حتى يتم له تنفيذ عقد الخمس سنوات لإنتاج الدبابة علاوة على اتفاقيات أخرى خاصة بالتسليح والتطوير مع فرنسا، ولأن الإقالة جاءت فى وقت غير محسوب فإن تحضير وزير دفاع جديد لم يكن حاضراً فى ذهن القيادة السياسية، ما جعله يستغرق فترة من الوقت لتعيين بديل على الرغم من أن قرار تعيين يوسف صبرى أبوطالب تم فى نفس يوم إقالة أبوغزالة وهو 15/4/89، ولأن مبارك قام بتجريف الجيش من كل القيادات تقريباً فيما أطلق عليه (مجموعة أبوغزالة) وكان ذلك لتأمينه من أن يحدث منهم عدم رضا عن إقالة أبوغزالة الذى صارت له شعبية فى صفوف الجيش يحسب حسابها وهو ما جعله يأتى بـ«أبوطالب» بعد أن تقاعد وتقلد وظائف مدنية، وتعتبر نقطة انطلاق مبارك لتدشين جمهوريته الثالثة قد بدأت من مايو ٨٩ بعد إقالة أبوغزالة الذى كان رحيله من الجيش إعلاناً لانتهاء الجمهورية الثانية التى استمرت ثمانى سنوات بعد موت مؤسسها الرئيس السادات، والذى كان من دواعى استمرارها بل كان من ركائز دعم استمرارها هو أبوغزالة الذى يعتبر آخر وزير دفاع يجمع بين الصفتين العسكرية والسياسية لانضمامه للحزب الوطنى الذى يحكم مصر.