(1)
يعيش شباب غرب الإسكندرية حالة من اللخبطة الفنية والإحباط الخانق، بسبب إلغاء حفل الفنان الكبير الأستاذ حمّو بيكا، الذى كان من المقرر إقامته فى إحدى الساحات المواجهة لمقهى كبير فى منطقة الورديان أو القبارى أو شىء من هذا القبيل. تضاربت أقوال الجماهير حول أسباب إلغاء الحفل، بعضهم يتهم الفنان الكبير الأستاذ مجدى شطة بالمسئولية عن هذه الأزمة، لأنه يخشى تفوُّق الأستاذ حمو ونجاحه فى خطف جانب كبير من الجمهور المنتمى أصلاً للأستاذ مجدى، والبعض الآخر يتهم الحكومة والأمن بإلغاء الحفل خوفاً من الإقبال الجماهيرى الخرافى الذى قد يؤدى لإغلاق الطريق بين شرق المدينة وغربها. إحدى الصحف اليومية المستقلة الكبرى نجحت فى الحصول على بيان من الفنان الكبير الأستاذ حمو بيكا، أكد فيه أن زميله الفنان مجدى شطة ليس مسئولاً عن إلغاء الحفل، ولكن الجماهير لم تقتنع بهذا الكلام، وما زال معظمهم يرددون الاتهامات للفنان مجدى، ويقولون إنه المسئول الأول والأخير عن منع حفل الفنان الكبير الأستاذ حمو.
يقول الضالعون فى الشأن الفنى إن الأستاذ حمو بيكا أحد نجوم أغانى المهرجانات، ويقدم لوناً جديداً رائعاً يتفوق فيه على ملوك المهرجانات الأساتذة الكبار أوكا وأورتيجا وغيرهما، أما الأخ الفنان مجدى شطة فيقول البعض إنه مطرب شعبى، ويقول آخرون إنه مطرب مهرجانات، ويزعم فريق ثالث أنه يقدم كوكتيلات تجمع بين المهرجانات والشعبى والوطنى والعاطفى والدينى.
قبل الانفتاح كان الناس يختلفون حول أم كلثوم وفيروز، أو عبدالحليم وفريد الأطرش، أو عبدالوهاب والسنباطى، أو الموجى وكمال الطويل (إلخ.. إلخ)، ثم رزقنا الله بزعيم سبق عصره فوصل بنا إلى أغانى المهرجانات وأفلام اللمبى ومسرحيات تياترو مصر، شكراً للزعيم المؤمن بطل الحرب والسلام.. والفن أيضاً.
(2)
بعد ساعات قليلة من فاجعة إلغاء حفل الأستاذ حمو، احتشدت جماهير غفيرة فى مقاهى الإسكندرية -ومصر كلها- للاحتفال بفوز النادى الأهلى ببطولة أندية أفريقيا، قبل بداية المباراة يستفزك بعضهم ممن يعلمون أنك لست من أنصار هذا النادى، وتقول لهم إن الأهلى لو كان كما يزعمون إحدى قلاع الأخلاق لكان قد اعتذر عن عدم خوض هذه المباراة، وتنازل عن الكأس للفريق التونسى بسبب الجريمة الأخلاقية التى ارتكبها أحد لاعبيه للتأثير على الحكم فى مباراة الذهاب، ولكن النادى الكبير المحترم فكَّر فى رفع دعوى قضائية ضد مخرج التليفزيون الذى نقل هذه اللقطة، بدلاً من التفكير فى عقاب اللاعب الغبى. هذا الرأى لا يعجب إخوانك الأهلاوية، فتقول لهم إن الأهلى فى الموسم الحالى يفتقد خدمات عبدالله السعيد وحسام غالى، ولا يمنح فرصاً لنجوم آخرين مثل أحمد الشيخ وصلاح محسن ومؤمن زكريا وغيرهم، ولكن هذا الرأى الفنى يصطدم برد سريع من الإخوة الأهلاوية يقولون فيه إن «الأهلى بمن حضر»، يعنى أى حداشر لعّيب لابسين أحمر يستطيعون تحقيق الفوز على أى فريق آخر داخل أو خارج مصر.
تبدأ المباراة، وتبحث حضرتك عن الفريق الأحمر الذى حضر، فلا تجد أى شىء له علاقة بكرة القدم الحقيقية، وبعد نحو أربعين دقيقة من الشوط الأول يسيطر الفريق التونسى على المباراة بالكامل ويحرز ثلاثة أهداف ويضيع منه مثلها، ويدفع إخواننا الأهلاوية ثمن الغرور والنفخة الكدابة والأخطاء الفنية والإدارية والأخلاقية التى لا يعترفون بها، وبالتالى لا يحاولون إصلاحها.
كرة القدم فى مصر ليست بعيدة عن المستويات التى يقدمها مطربو المهرجانات وجماهيرهم، فالحياة فى أى مجتمع كالأوانى المستطرقة يتساوى فيها الفن والثقافة والرياضة والتعليم والإعلام وسائر الميادين المجتمعية الأخرى.
(3)
رغم السلبيات القاتلة التى تحتشد فى مصر على المستويين الرسمى والشعبى، يرزقنا الله بومضات تساعدك على مقاومة القرف العمومى الذى يجتاح كل ما سواه. محاولات النظام لاستحداث شباب قادر على القيادة، وتدريبه بأساليب علمية حديثة، كما شاهدنا فى إحدى جلسات مؤتمر الشباب، وإصرار الرئيس على استكمال رحلة إصلاح وتطوير التعليم مهما كان الثمن ومهما كانت العقبات، والبرنامج التليفزيونى العقلانى الهادئ والمحترم الذى يقدمه الأستاذ أسامة كمال، والفواصل المحترمة التى تقدمها إحدى قنوات الدراما، وتخصص كلاً منها لأحد المبدعين فى المجال الفنى والدرامى، وتسجل لكل منهم أهم أعماله وعدد الإبداعات التى قدمها، مع تعريف المشاهدين باسمه ووظيفته أو مجال عمله الفنى، ثم ينتهى الفاصل بكلمة «شكراً»، وهذه اللمحة الطيبة المحترمة الراقية هى إحدى أفضل النفحات الإعلامية التى يقدمها التليفزيون لمشاهديه، ولا أقل من توجيه الشكر والتحية لمن استحدث هذا اللون الراقى من الاحتفاء بتاريخ المبدعين، وهناك أيضاً الحفلات الغنائية للسيدة أم كلثوم، التى تقدمها قناة أخرى كل ليلة، وإن كانت القناة صاحبة هذا الفضل لا تملك فيما يبدو إلا عدداً محدوداً من الأغنيات تكررها كل عدة أيام، ونتمنى أن يرزقها الله فتشترى حق عرض الأغنيات الأخرى للفنانة العظيمة التى رحلت وتركت الناس للأستاذ حمّو!.
يبقى بعد ذلك عدد من النفحات الأخرى تقدمها محطة الأغانى فى الإذاعة، وقناة ماسبيرو فى التليفزيون، وقناة غير مصرية تقدم كل يوم فى الفترة الصباحية المبكرة ساعتين مع أغانى «فيروز» التى تعرضها من خلال صور جميلة للغاية للريف اللبنانى وشرح لبعض المناطق فى هذه الطبيعة الساحرة التى يتضاعف سحرها بصوت «فيروز» وكلمات وألحان أغنياتها، وعلى الجانب الآخر هناك قناة تقدم تلاوة القرآن الكريم بصوت عبدالباسط عبدالصمد وحده، وهذه القناة تكفى لإزالة الإرهاب والتطرف والأمراض النفسية ومشاق الإصلاح الاقتصادى (إلخ.. إلخ) عن كاهل أى شخص يتفرغ لسماعها ساعة واحدة كل يوم، وبصرف النظر عن الديانة التى يعتنقها.