مهن تضررت: قبل «السوشيال ميديا»..فين أيام البوسطجى والمصوراتى وبتاع الجرايد؟
بوسطجى يقوم بتسليم الخطابات «صورة أرشيفية»
«ساعى البريد»، «المصوراتى»، «بائع الصحف».. مهن كانت أكثر استقراراً فى أزمنة مضت، لها خصوصيتها وأدواتها وزبائنها، قبل أن تتلقى لطمة قوية مع ظهور «السوشيال ميديا» وطرح بدائل تقدم الخدمة نفسها بسرعة أكبر، وتكلفة أقل، ولولا محاولات أصحابها للصمود لاختفت وأصبحت فى طى النسيان.
ساعى بريد: «لو هوزع كل يوم جواب واحد مش هسيب الشغلانة».. وبائع صحف: «المواقع الإلكترونية ما خلتش للجرايد الورقية حاجة»
مع وصول عقارب الساعة إلى السابعة والنصف صباحاً يصل صابر السيد إلى مقر عمله بإحدى شركات البريد الخاصة، رحلة طويلة يعيشها لمدة 12 ساعة لتوصيل الخطابات إلى أصحابها، يبدأها بالوقوف أمام دولاب خشبى مقسم إلى أرفف، على كل رف منها عدد من الخطابات، منها ما هو «مستعجل»، وما هو «عادى»، يختلف السعر حسب نوع الخطاب: «المستعجل تمنه 7 جنيه، والعادى بـ2 جنيه»، يأخذ الخطابات الخاصة بمنطقة «المطرية» ويبدأ مهمته كـ«طواف بريد» كما يلقبونه منذ 30 عاماً. يحكى «صابر»، صاحب الـ60 عاماً، أنه قضى عمره بالعمل كساعى بريد، كان يحب تلك اللهفة التى تنتاب الأفراد عند علمهم بأن هناك خطابات مرسلة إليهم، فمنهم من ينتظر رسالة من حبيب غائب، أو صديق طال انتظاره، ويفرح كثيراً بلقائه، الوضع الذى اختلف كثيراً الآن، حيث أصبح ساعى البريد فأل شر لدى الكثيرين، يحمل لهم فقط الخطابات الرسمية وإنذارات المحاكم.
يروى «صابر» ذكرياته خلال عمله بالبريد، قائلاً: «زمان كانت الناس أول ما تشوفنى فى الشارع تجرى عليا، ماتستناش إنى أطلع لهم البيت، لكن دلوقتى الناس بتخاف لما أقولهم إن ليهم بوسطة»، ما يرجعه إلى التطور التكنولوجى، الذى طال كل شىء فى المجتمع، فأصبح كل شىء يمكن إرساله وتسلمه فوراً عبر الهواتف المحمولة، من خلال شبكة الإنترنت: «ما بقاش فيه لهفة الانتظار، كل حاجة بقت سهلة، وفى نفس اللحظة أقدر أبعت رسايل داخل مصر وخارجها».
وعن اختفاء مهنة «ساعى البريد»، قال «صابر» إنه من المستحيل أن تنتهى وظيفة «البوسطجى» لأن هناك أوراقاً ومحاضر رسمية لا يمكن إرسالها عبر الـ«فيس بوك وواتس آب». 100 خطاب كان ساعى البريد يقوم بتوصيلها يومياً، تراجعت مؤخراً بشكل كبير: «لو هوزع كل يوم جواب واحد، مش هسيب الشغلانة اللى قضيت فيها عمرى كله، وعشت فيها ذكريات حلوة».
عدد من الصحف اليومية والأسبوعية مرصوصة على طاولة خشبية، يجلس أمامها مصطفى عبدالله، على كرسى بلاستيكى بمنطقة الدقى، مرتدياً بنطلوناً وقميصاً، وعلى رأسه قبعة، وينتظر قدوم الزبائن.. يطول الانتظار لساعات، ولا يبيع سوى القليل، فلم يعد الإقبال على شراء الجرائد كسابق عهده: «زمن قراية الجرايد عدى وفات، محدش بقى يشترى الجورنال غير اللى فوق الـ50 سنة، اللى مالهوش فى الإنترنت».
20 عاماً قضاها «مصطفى» فى مهنة بيع الجرائد، اختلفت تفاصيلها فى آخر 5 سنوات، مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعى، حيث بدأ الإقبال يقل على شراء الصحف الورقية، ما دفعه لتأسيس كشك صغير يبيع فيه بعض الحلوى بجانب الجرائد، يساعده على المعيشة: «زمان كان شراء الجرايد حاجة أساسية كل يوم الصبح، لكن دلوقتى بضغطة واحدة على الموبايل تعرف أخبار العالم كله على المواقع الإلكترونية».
100 نسخة كان يبيعها «مصطفى» يومياً فى فترات سابقة، تراجعت حالياً ووصلت إلى نحو 20 نسخة: «كنت بجيب عدد كبير من الجرايد وأنوع بينهم، لكن دلوقتى فيه جرايد ما بقتش أجيبها، لأن الناس بطلت تشترى»، متعجباً من قيام المارة بإلقاء نظرة سريعة على مانشتات الصحف المرصوصة على الفرشة لمعرفة الأحداث الجارية، ثم يمضون من أمامه: «الناس بيبقى هاين عليها تمسك الجورنال تقراه وتسيبه ليا تانى، حتى اللى لسه بيحب الجرايد بقى يستخسر يدفع فيها 2 أو 3 جنيه».
«الفوتوسيشن خرب بيتنا»، جملة استهل بها حديثه السيد محمد، صاحب استوديو تصوير فى منطقة شبرا الخيمة، والذى ورث مهنة «المصوراتى» عن والده، ويعمل بها منذ 15 عاماً، واصفاً حاله بأنه تغير بنسبة 180 درجة: «مفيش حد بيتصور غير للمدارس، حتى العرسان مابيجوش.. أفتكر زمان كان بييجى الأستوديو أكتر من 5 عرايس فى يوم واحد، لكن دلوقتى مفيش، وبيطلبوا حد يعمل لهم جلسة تصوير خارجية».
حاول «السيد» مواكبة التطور من حوله، فأخذ يقبل «أوردرات» التصوير خارج الأستوديو، مقابل دفع تكاليف أعلى من الأستوديو: «بقيت آخد الكاميرا بتاعتى وأروح مع العرسان فى المكان اللى يختاروه.. منهم اللى يختار يتصور فى حديقة عامة أو فندق، وكله بحسابه».
العمل فى التصوير حالياً لم يعد يحتاج إلى مهارة أو خبرة فى وجود مواقع التواصل الاجتماعى، بل أصبحت مهنة سهلة تجلب كثيراً من الأموال لصاحبها: «أى حد مش لاقى شغل بيشترى أو يأجر كاميرا ويصور أى مكان، ويعمل صفحة على الفيس بوك عشان يشير شغله، ويبنى اسم له فى عالم التصوير.. لولا إن الأستوديو وارثه عن أبويا، كان زمانى قفلته ورُحت شفت لى شغلانة تانية».