يعتبر عام ٨٩ هو البداية الحقيقية لعصر الرئيس مبارك، وباسترداد (طابا) فى العام نفسه صار هناك قبول شعبى لخلَف السادات خاصة بعد إزاحة أبوغزالة من المشهد وهو الذى كان يملأ الفراغ الساداتى لدى المصريين ويرونه الزعيم الكاريزما، ورغم تحمل مبارك تلك الفترة التى كان فيها الرجل الثانى وليس الأول كرئيس باستفتاء الشعب ليحافظ على الدولة بعد أن قدمته المؤسسات والأجهزة على أنه هو الرجل الذى أُعِد ليقود المرحلة بعد اغتيال بطل الحرب، والحقيقة أن المصريين يغلب على وعيهم صورة ذهنية للرجل الأول فى دولتهم بأنه يجب أن يكون صاحب إنجاز عسكرى والثانى أن يكون قوى الشكيمة على الساحة الدولية، بعد ذلك يهون لديهم أى شىء آخر فى حياتهم، ومن قراءة للشخصية المصرية وضع صفوت الشريف وزير الإعلام يده على الشق الأول وهو قوة وإصرار مبارك تجاه قضية طابا والشق الثانى العسكرى مهد له الشق الأول فإن من كان قادراً على انتزاع حق مصر من تحت ضرس إسرائيل هو من قاد قواته الجوية لفتح معركة العبور بضربة جوية مكثفة أربكت إسرائيل التى كانت تتباهى بقواتها الجوية على وجه الخصوص وانتصاراتها على قواتنا الجوية وجعلها جاثمة على الأرض، ولقد أراد الرئيس السادات أن تسترد قواتنا الجوية عافيتها ومعنوياتها فجعلها (مفتاح) حرب ٧٣ حتى إنها سبقت القوات البرية بدقائق لا تتعدى الخمس فقط أو أقل، من هنا وجد الشريف غايته لوصول الرئيس بصورته الغائبة عن الشعب بما أطلق عليه (الضربة الجوية الأولى) ولكنه أسهب فيها حتى اختزل فيها كل حرب أكتوبر حتى انتهاء عهد مبارك، ولكن الفضل فى الإفصاح عن الرئيس الذى يأمله المصريون يرجع لـ(طابا) الذى كان الاحتفاء بها يفوق سيناء كلها، ولا يمكن إنكار أهمية استرداد طابا خاصة إذا علمنا حقيقة قضيتها التى ترجع إلى مارس ٧٩ فى أعقاب إبرام معاهدة السلام التى تقرر فيها الانسحاب الإسرائيلى الكامل من شبه جزيرة سيناء، عند ذلك عز على إسرائيل أن تترك سيناء دون أن تدق إسفينا أو تترك (مسمار جحا) ليكون مثاراً لمشكلة استمرت سبع سنوات كاملة فى جدل عقيم من أجل عدة مئات من الأمتار أرادت أن تمد أطماعها إليها ليصبح لها قدم محتفظة بها داخل الأراضى المصرية واختارت منطقة طابا ذات الأهمية الاستراتيجية الحيوية، ولذا قررت إسرائيل بعد توقيع المعاهدة الإسراع فى مد الإقليم الضيق المحيط بميناء إيلات الواقع على قمة خليج العقبة حيث لا يزيد ساحل إسرائيل فى هذه المنطقة عن ١٥ كم، وأرادت أن تحول منطقة طابا إلى منتجع سياحى، فقامت ببناء فندق كبير فى وادى طابا وسمحت لرجل الأعمال الإسرائيلى (رافى نيلسون) بإقامة هذا الفندق وإقامة شاطئ سياحى خاص بالقرب منه يأتى إليه السائحون والإسرائيليون المقيمون فى إيلات، وقد حدث هذا فى الوقت الذى كانت مصر وإسرائيل تنفذان فيه التزاماتهما الواردة فى المعاهدة، ورغم ذلك لم تقم الحكومة الإسرائيلية بإبلاغ مصر بما يتم من تغيير فى إحدى مناطق الحدود المصرية، الأمر الذى دل على سوء نية إسرائيل، وتراخى الجانب المصرى الذى لم يعترض على إقامة مثل هذه المنشآت السياحية فى الأراضى المصرية ولَم يُثِر هذا الأمر إلا بعد مرور نحو عشرين شهراً على توقيع المعاهدة، وفى أكتوبر ٨١ خلال الاجتماعات المستمرة بين البلدين (مصر وإسرائيل) فى اللجنة العليا للتطبيع لبحث ترتيبات الانسحاب النهائى وتسلم المناطق والأراضى والمنشآت، بدأت اللجنة المشتركة فى رسم خط الحدود الدولية المشتركة بدءاً بمنطقة رفح على البحر المتوسط إلى خليج العقبة وتم الاتفاق على وضع كل أو معظم علامات الحدود ما عدا العلامة الأخيرة وهى رقم (٩١) الخاصة بطابا، ووقع الخلاف بين الجانبين المصرى والإسرائيلى وحاولت اللجنة العسكرية للبلدين خلال اجتماعاتها المتعددة وزياراتها الميدانية لخط الحدود أن تصل إلى اتفاق ولكن دون جدوى، وفى مارس ٨٢ قبل شهر من إتمام عملية الانسحاب الإسرائيلى الكامل من سيناء أعلن اللواء بحرى محسن حمدى، رئيس الجانب المصرى فى اللجنة العسكرية المشتركة، أن هناك خلافات بين مصر وإسرائيل على بعض النقاط، وأن هذه الخلافات يتم بحثها، وأن الموقف المصرى محدد وواضح فى مسألة نقاط وعلامات الحدود حيث إن كل شىء يتم وفقاً للخرائط والوثائق التاريخية الموجودة التى توضح دون أدنى شك أو غموض خط الحدود الدولية لمصر، وقال إنه لا خلاف بين الجانبين لإتمام الانسحاب حتى الخطوط الدولية لمصر مع فلسطين تحت الانتداب ولكن الخلافات فى علامات الحدود التى لا تزيد على بضعة أمتار فى بعض النقاط وتصل إلى ١٠٢٠ متراً فى أكبرها، وأن هناك خلافاً حول نقطة طابا...
(يتبع)