استقبلته وهو نائم على كرسي أصم يفتقد القدرة على الكلام والابتسامة العريضة التي كانت تملأني أمل وتعيدني للحياة، وفي لحظة كنت أود أن تنتهي حياتي قبله وظننته استسلم للألم والانتكاسة، واذ به بعد ايام يعود لنا ويقاتل "الموت"، بعد إصابته بشلل عام منذ 10 سنوات، وخالف كل ظنوني واستطاع بعد فترة وجيزة أن يمشي على قدميه وكأنه يأبى أن يراني منكسرًا ويعلم إلى أي قدر اتمنى أن أظل أعيش في حنانه وتعود ابتسامته، تملأ الدنيا فرحة وبهجة وأمل.
عاد أبي إلى المرض في عامه السبعين حزينًا مفارقًا "سيجارته الشتوية"، التي كانت تدفأ مشاعره، وأصبح يعلم جيدًا أنه لا مكان لها في جسده الشامخ الذي واجه سنوات عجاف كان يحارب الإرهاب ويعمل بدأب كل يوم من أجل وطنه ومستقبل أبناءه الأربعة الذين لم يشعروا يوما بفقر أو جوع وكانوا يواجهون كل شيء رافعين رأسهم أنا ابن الرجل الشريف الذي لم يقبل رشوة ولم يعيش لحظة من أجل جاه.
يا أبي أنت اقوى من المرض، ومن تعلمنا معه الصبر والجلّد وحب الوطن والعيش من أجل الفقراء ومن أجل هدف سامي هو إسعاد البسطاء، كنت اراك تترك الطعام من أجلي وكنت استظل بعطفك وحبك للناس وعشقهم لك، فأنت كنت ضعيفًا جدًا أمام الفقراء وتتذكر معهم سيارة الإسعاف التي كنت تطوف بها لتنقذ مصابي حرب الاستنزاف وهتافك لعبدالناصر في لحظات صعبه مرت على وطنك مصر، وإنجازات يوليو التى لولاها ما كنت أصبحت رجل شرطة هدفه تطبيق القانون وتحقيق العدالة.
ابي لعنه الله على رئة افقدتك ثقتك في نفسك للحظات، ولكن تصميمك على الحياة لآخر لحظة جعلك تعود مرة أخرى تنتظر أن تشاهدني "عريسًا" وأبًا لعصام، وادعو الله أن يمدد في عمرك إلى أن تطمأن علينا وتكمل رسالتك في الحياة.