بالزفة والصلبان وجلسات الذكر.. «غيط العنب» تحتفل بالمولد النبوى وذكرى استشهاد «مارجرجس»
بيع حلوى المولد لأهالى المنطقة
بالزينة والأنوار والصلبان المُضيئة وحلوى المولد وجلسات الذكر الصوفية، احتفل أهالى منطقة «غيط العنب» وسط الإسكندرية، بالمولد النبوى الشريف، و«مولد مارجرجس»، وسط توافد آلاف الأسر المسيحية من كل أرجاء المحافظة، فى «الليلة الكبيرة»، أمس الأول، فضلاً عن مشاركة المسلمين الذين علّقوا صورة القديس «مارجرجس» على واجهة العقارات، وإلى جوارها لافتات تهنئة بالمولد النبوى الشريف.
تزامن الاحتفال بالمولدين المسيحى والإسلامى، عكس الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط، حيث علق «أبوكريستينا»، أحد الأقباط لافتة دون عليها: «أبو كريستينا يهنئ الجميع بالمولد النبوى الشريف»، فضلاً عن لافتات تهنئ جميع أهالى المنطقة، وليس الأقباط فقط بمولد «مارجرجس».
حلوى المولد النبوى لها طابع مميز بالمنطقة، حيث تباع فى «علب» تحمل صورة مارجرجس أو صورة العذراء مريم، لتؤكد أن المسلمين والأقباط نسيج واحد، لا فرق بينهم، وفى الشوارع الفرعية الموازية للكنيسة، يفترش الباعة بضائعهم التى تزينها صور القديسين، تزامناً مع احتفال الصوفيين بالمولد النبوى داخل أهم وأكبر مسجد وضريح بالمنطقة، وهو مسجد ومقام العارف بالله سيدنا أبوالإخلاص الزُرقانى.
«حلوى المولد النبوى» بصور العذراء مريم فى الشوارع.. وبائعة: «العدرا ما يختلفش على حبها مسلم أو مسيحى»
«ليالى النبى حقاً فيها للأحباب نور»، هكذا ردد رواد مقام العارف بالله، ومحبو الشيخ برهان الدين أبوالإخلاص الزرقانى، شيخ ومؤسس الطريقة الإخلاصية الصوفية العليا بمحافظة الإسكندرية فى جلسات الذكر التى أقيمت للاحتفال بالمولد النبوى، وقال السيد البلبوشى، مسئول المسجد، إن الاحتفالات بالمولد تستمر على مدار الشهر وتقتصر حلقات الذكر على يومى الاثنين والجمعة فقط، مضيفاً أن أهالى غيط العنب ينتظرون المولد النبوى لزيارة ضريح مولانا العارف بالله من أجل الدعاء.
«حسين إبراهيم»، 56 سنة، أحد سكان منطقة غيط العنب، قال إنهم اعتادوا على هذا الأمر كل عام، فأصبح الاحتفال بالمولد النبوى، ومارجرجس للكل، لا للمسيحيين أو المسلمين على حدة، فمنذ ولادته فى تلك المنطقة، وهو يشارك جيرانه الأقباط الفرحة، يوزعون عليهم «قربان» النهضات الروحية، و«قُرَص» العيد، ويرد الهدية بحلوى المولد النبوى الشريف، وتابع: «بنستنّا المولد من السنة للسنة، بيغير روتين يومنا وبنحس بالسعادة والبركة فى المنطقة كلها وبنشوف حبايبنا اللى عزّلوا من المنطقة، لكنهم مواظبون على زيارة مارجرجس».
أهالى المنطقة ينفرون دائماً من أصحاب النفوس الضعيفة الذين يسيئون للإسلام بأفعالهم، ويعون قيمة الحب الأصيل بين قطبى الأمة فى كل أنحاء مصر، حيث قالت جيهان سمير، 42 سنة، بائعة حلوى المولد، إنها تقوم بوضع صور القديسين على حلاوة المولد لتبارك الزائرين بها، فتضع صور مارجرجس والسيدة العذراء والشهيد أبوسيفين، وتترك بعض الأطباق خالية من الصور للإخوة المسلمين الذين يحتفلون بمولد النبى فى ذات التوقيت، وأضافت أن الكثير من المسلمين اعتادوا على شراء حلوى المولد بصور مارجرجس والعذراء لحبهم الكبير لهم «العدرا ميختلفش عليها حد فى حبها، ومارجرجس ياما عمل معجزات مع أهل المنطقة عشان كدا محبوب من الجميع».
«حسين»: أحتفل بالمولد من ولادتى.. ووكيل البطريركية: المنطقة تضم تركيبة فريدة من السكان نشأت على المحبة
الكنيسة التى تعتبر مركز الاحتفال، تحتفل هذا العام بمرور 80 عاماً على تدشينها ككنيسة باسم الشهيد، ومرور 99 سنة على وجودها كمركز خدمة للمنطقة تحت شعار جمعية الكرمة، وتشمل الاحتفالات بداخلها تزيين الأيقونات المقدسة بالأنوار و«الزفة» التى يحمل خلالها الشمامسة أيقونات مارجرجس، وصلباناً خشبية، ويطوف الكاهن معهم عبر الكنيسة بالبخور والصلوات، فيما يصاحبها التراتيل والترانيم وصلاة مديح مارجرجس الذى يتم فيه سرد أبرز مواقف حياته، وتقام الصلوات والنهضات الروحية ليلاً، والقداس الإلهى صباحاً على مدار الاحتفال، وفى ليلة العيد يقوم الكهنة بتطييب الجسد من خلال الحنوط والروائح فى حضور الآلاف من شعب الكنيسة والمسيحيين، حيث يتم وضع شاشات عملاقة فى الشوارع وسمّاعات كبرى نظراً لعدم اتساع الكنيسة الصغيرة لأعداد الحاضرين.
القمص داود بطرس، راعى كنيسة مارجرجس بغيط العنب، قال إن الكنيسة من أقدم 3 كنائس بالإسكندرية، حيث تم افتتاحها يوم 15 نوفمبر عام 1938، وتعتبر أول كنيسة باسم القديس مارجرجس فى القرن العشرين، منوهاً بأن بدايتها كانت عام 1919 تحت مسمى جمعية الكرمة.
وأوضح أن السر وراء شهرة عيد مارجرجس، وتسميته بالمولد يرجع لحب المنطقة لمارجرجس، حيث إن أغلب المنطقة من المسيحيين وهم الذين قرروا أن تسمى تلك الكنيسة بهذا الاسم، الأمر الذى ترتب عليه الاحتفال بشكل كبير وعلى نطاق أوسع، فلم يقتصر الاحتفال على التمجيد والزفة داخل الكنيسة، بل امتد إلى خارج الكنيسة والطواف بكافة شوارع المنطقة، ناهيك عن دق الصلبان وتزيين الشوارع بصور مارجرجس والصلبان ووضع الأنوار الاحتفالية وتشغيل التراتيل والترانيم بصوت عالٍ فى الشوارع، ومصاحبة الاحتفالية للباعة والمراجيح التى تنتشر فى المنطقة لكسب الرزق.
وأوضح القس إبرام إيميل، وكيل البطريركية بالإسكندرية، أن منطقة غيط العنب تضم تركيبة فريدة من نوعها، حيث الناس قريبون من بعضهم البعض، وارتفاع نسبة المسيحيين بها عن أى منطقة أخرى، وأن السبب فى بقاء هذه المحبة هو الاعتقاد الفكرى والثقافى الذى رسخ فى عقولهم بأن المنطقة قوية بأهلها، ولا يوجد تصنيف، فجميعهم فى النهاية «أهل غيط عنب».