«الحلم القومى».. سياسة اتبعتها الدول المختلفة لتحقيق نهضتها الاقتصادية والاجتماعية، فالحلم الأمريكى فى سيادة العالم الذى عملت عليه واشنطن لأكثر من قرنين تحقق الآن وأصبحت هى الدولة المؤثرة فى كل شبر بالكرة الأرضية، كما أن الحلم الألمانى فى خلق تكنولوجيا جديدة تحقق، وأصبحت ألمانيا المُصنّع الأفضل فى العالم، كما أن الحلم الأوروبى فى إعادة الإعمار عقب الحرب العالمية الثانية تحقق وانتقلت الدول التى خرجت من الحرب منهارة تماماً ومُدمَّرة إلى تحف معمارية وقلاع صناعية وجامعات عالمية.
لذا لا بد أن نضع حدوداً واضحة لـ«الحلم المصرى» لنضمن تحرك الجميع خلفه وتحقيقه خلال السنوات أو العقود المقبلة!
نعم أقصد «العقود» فالدول لا تزدهر فى أيام أو شهور، ولكن تحتاج إلى سنوات طويلة أو عقود بهدف تغيير الثقافة، وتوجيه الجيل الجديد للعمل بمعطيات مختلفة، وبناء مؤسسات قادرة على قيادة المستقبل بشكل أفضل.
وهنا نحتاج لتغيير الرواية الحالية التى نشاهدها فى شوارعنا، فى عاداتنا وتقاليدنا، فى أبنائنا وشبابنا، فى مسئولينا، إلى رواية تصلح لأن تصل بدولة تخطت حضارتها 7 آلاف عام إلى مرحلة التقدم والازدهار.
نحتاج لأبطال جدد لهذه الرواية عبارة عن شباب يمتلكون القدرة والكفاءة لتغيير الواقع، وقيادات تعرف جيداً إلى أين تتجه، وكيف ستصل، وعمال مهرة يتقنون صناعاتهم، ومعلمين أكفاء يتابعون تطورات التكنولوجيا والعلم حول العالم ويربون النشء الجديد على ذلك.
نحتاج لجيل جديد من المستثمرين يبتعد عن الأفكار التقليدية ويطبق المفاهيم الحديثة لريادة الأعمال، نحتاج لمؤسسات استثمارية ضخمة تنطلق من مصر للاستثمار فى مختلف دول العالم وحفر اسم «صنع فى مصر» على خريطة العلامات التجارية والبراندات الكبرى حول العالم.
نحتاج لتغيير الثقافة إلى ثقافة جديدة، والتمرد على المألوف لصناعة شىء مختلف، نحتاج لإضاءة شعاع الأمل للأجيال المقبلة، وتوحيد الهدف لنسير جميعاً خلف قائد واحد.
هذه الرواية لا بد أن تقضى على الفقر والتكاسل والاتكالية والادعاء، وترسخ للعمل والبناء والتفاؤل.
ويجب أن تحفظ حق الإنسان فى الحياة والحرية والأمل، وتعزز قواعد المساواة، حتى ننظر للإنسان بنظرة مجردة بعيدة عن جنسه، ولونه، ودينه، ومعتقداته، بحيث نحترم جميعاً الأداء البشرى المبنى على الكفاءة والجهد، بغض النظر عن مواصفات صاحبه؛ رجلاً كان أو مرأة، مسلماً أو مسيحياً، أبيض أو أسود.
لا بد أن يشارك الجميع فى هذه الرواية، بحيث يصبح كل مصرى جزءًا منها، حتى نبتعد عن ظاهرة «متفرجى الترسو» الذين يكتفون بالتنكيت أثناء مشاهدة عرض الرواية والتراشق بالتعليقات الساخرة السخيفة التى افتقدت حتى لخفة الدم التى اشتهر بها المصريون على مدار الزمن، نتيجة شدة الاتكالية، واكتفاء شريحة كبيرة من المواطنين بدور «المُنظّر» الذى إذا تم وضعه فى قلب الحدث لن يستطيع فعل أى شىء!
وأتصور أن تغيير «الحلم» و«الرواية» و«الأبطال» على النحو الذى ذكرته يحتاج إلى ثورة تصحيحية، يقف فيها كل منا وقفة حقيقية مع النفس، يراجع مفاهيمه وأفكاره، ويقيّم دوره الحقيقى فى بناء هذا الوطن، وتحقيق تقدمه.
كما نحتاج لثورة حقيقية فى مراجعة سياسات التعليم باعتباره الآلية الفعالة فى تعزيز كفاءة الأجيال المستقبلية، حيث تحتاج سياسات التطوير فى أى منظومة تعليمية لنحو 14 عاماً تقريباً حتى تؤتى بثمارها، باكتمال الدورة التعليمية الجديدة وتحقيق أهدافها فيما يتعلق بتأهيل النشء وتغيير مفاهيمهم عن الحياة العملية ومستقبلهم العلمى والعملى.
ويجب أن يبدأ تطوير هذه المنظومة من النقطة التى انتهى إليها العلم الحديث، وليس من النقطة التى بدأ منها، بحيث تتم متابعة كل التطورات العالمية المتلاحقة فى العلم والتكنولوجيا وفلسفة التطبيق، واستقطابها إلى مصر، بحيث ترتبط أبحاث الطلاب بآخر المستجدات على الساحة العالمية فى المجالات المختلفة بدلاً من تطبيق نظريات عفى عليها الزمن، على ظواهر حدثت منذ عشرات العقود، كما نلاحظ فى أغلب الرسائل العلمية التى تتم مناقشتها فى الجامعات والمعاهد التعليمية والمراكز البحثية بصفة مستمرة.
الذكاء الاصطناعى اليوم أصبح يسير بخطى أسرع من الذكاء البشرى، خاصة بعد ابتكار إنسان آلى ذاتى التعلم فى 2015، فالإنجازات التى تحققها الآلة اليوم، فى الغالب، لا تنتج عن نظريات وأبحاث تقليدية وإنما تتم بشكل مفاجئ وبأفكار «مجنونة»، ثم تبدأ النظريات والأبحاث فى تحليل هذه التطورات بعد حدوثها.
العالم اليوم يتحرك بخطى أسرع، ولابد أن نتحرك معه، حتى لا نتخلف عنه!
فلنكتب روايتنا الجديدة بسطور الأمل ولغة المستقبل، بعيداً عن محاولات اليأس والإحباط وقتل الأمل.