لا يوجد قوى إلا وله بوابة ضعف يمكن الولوج منها، ولا يوجد ضعيف إلا ويملك أدوات للقوة يستطيع أن ينال بها من خصمه. لعلك تابعت الهجمة الأخيرة التى شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلى على غزة وأدت إلى سفك دم 14 فلسطينياً. الهجمة بدأت بعملية استخباراتية نفذتها قوات الاحتلال استهدفت خلالها عدداً من قادة كتائب «القسام»، ردت عليها المقاومة بصواريخ وعمليات نوعية أدت إلى مصرع ضابط إسرائيلى، ثم تم التوصل إلى هدنة تم بموجبها وقف إطلاق النار. وزير الدفاع الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان بادر إلى تقديم استقالته اعتراضاً على الهدنة التى قبلها نتنياهو. رئيس الوزراء الإسرائيلى ليس أقل حرصاً على سفك دماء الفلسطينيين من وزير دفاعه، لكن المسألة فى الأول والآخر مصالح وأولويات. نتنياهو الذى يضع عينه على مال الخليج ويحلم -كما صرح- باليوم الذى يطير فيه بطائرة تحمله من تل أبيب إلى الرياض، يهمه تهدئة الأوضاع خلال الفترة الحالية، على عكس «ليبرمان» الذى يحلم بأن يجلس على رأس الحكومة الإسرائيلية، ويرى أن «مزاد الدم» الذى يريد فتحه فى غزة يساعده على تحقيق حلمه فى أى انتخابات مبكرة محتملة.
صوت المصالح هو الأعلى.. وأصوات الضعفاء خافتة، لكن الضعيف أياً كانت درجة ضعفه بإمكانه أن ينال من القوى مهما كان مستوى قوته. تلك حقيقة تثبتها الأحداث يوماً بعد يوم.. فلا يوجد قوة مطلقة، أو ضعف مطلق. لا خلاف على أن قدرات المقاومة الفلسطينية لا تشكل شيئاً ذى بال قياساً إلى القدرات العسكرية الإسرائيلية، لكنها على ضعفها استطاعت أن تنال من عدوها الذى استرخص دمها الضعيف، وتسببت فى خلق أزمة سياسية داخل إسرائيل، ظهرت أبرز معالمها فى المظاهرات التى نظمها بعض سكان المستوطنات الإسرائيلية الذين خرجوا منددين بقرار نتنياهو بقبول الهدنة ووقف إطلاق النار، المظاهرات عبرت عن الأحاسيس الشعبية بفائض القوة، لكن أصحابها لم يفهموا أن الضعيف الذى يريدون سحقه وإقامة «مزادات الدم» فى شوارعه وحواريه يستطيع أن ينال منهم.
صواريخ المقاومة غير مؤثرة فيما يتعلق بالقدرة على إحداث خسائر، لكنها قادرة على إرباك الحياة فى إسرائيل، وأى توسع فى العمليات العسكرية فى غزة سوف ينتج عنه المزيد من الصواريخ والعمليات التى يقوم بها الفلسطينيون ضد الاحتلال، وسوف يؤدى ذلك إلى خسائر مالية جمة، لأن أى هجوم من هذا النوع سوف يؤدى إلى وقف حال الإسرائيليين، بما يترتب على ذلك من خسائر مالية ونفسية لن يغنى عنها قتل شعب يدافع عن أرضه وحقه فى الوجود.
زمان كنا ندرس فى كتب القراءة درساً عنوانه «عين القمر»، ويقدم معالجة بسيطة لإحدى قصص «كليلة ودمنة». تشرح القصة حال مجموعة من الأرانب الذين فرض عليهم الأسد «ملك الغابة» إرسال واحد منهم كل يوم ليكون طعاماً لغدائه، انصاعت الأرانب واستجابت لرغبات جبار الغابة حتى كادت أن تنقرض. هنالك ظهرت «الأرنبة فيروز» التى تمكنت من الاحتيال على قاتل بنى جلدتها حتى أهلكته. الإحساس بالقوة المطلقة أول خطوة على طريق الهلاك.