(1)
فى أحد أحياء شرق الإسكندرية، يتسابق السادة أولياء أمور طلاب وطالبات المرحلة الثانوية لإلحاق أبنائهم بمركز دروس خصوصية يملكه ويتولى التدريس فيه أحد السادة مدرسى اللغة الإنجليزية المشهود لهم بالكفاءة غير العادية والقدرة الفائقة على تحقيق التفوق الكبير لأى طالب من زبائنه. قرر أحد الزملاء حجز مكان لابنته لدى هذا المدرس فى العام الدراسى القادم، حيث الابنة حالياً فى الصف الثانى الثانوى، وفى العام التالى ستكون فى ثالثة ثانوى، وسوف تحتاج لتحقيق الحد الأقصى من الدرجات فى كل المواد، ومن هنا يسعى والدها لحجز أماكن لدى أفضل المدرسين.
ذهب الوالد -وهو أستاذ جامعى على درجة عالية من الكفاءة ومتخصص أيضاً فى اللغات- إلى مقر أستاذ اللغة الإنجليزية، أملاً فى الحصول على مكان لابنته قبل عشرة أشهر كاملة من بداية العام الدراسى المستهدف. وفوجئ هناك بأن مدرس الإنجليزى لا يقبل الحجز لأى تلميذ إلا بعد اجتياز امتحان يُعقد داخل المركز ويدفع الطالب مبلغ أربعمائة جنيه رسوماً لدخول الامتحان، ويوقع ولى أمره إقراراً بعدم المطالبة باسترداد هذا المبلغ حال فشل الطالب أو نجاحه فى الامتحان. وفى اليوم الذى ذهب فيه الزميل لقضاء مأمورية الحجز لابنته، كان عدد التلاميذ الذين يؤدون امتحان القبول ستمائة طالب وطالبة، ويُعقد الامتحان فى ثلاثة طوابق من برج سكنى يملكه المدرس، ويخصصه للدروس الخصوصية وامتحانات القبول والشئون الإدارية الخاصة بهذا العمل. ويقول الزميل الأستاذ الجامعى إنه فشل فى إنجاز مأمورية حجز مكان لابنته فى ذلك اليوم، وقيل له إن الحجز هو الآخر يحتاج المبادرة بالحضور فى موعد مبكر، أى بمجرد التحاق الطالب بالتعليم الثانوى، وليس فى منتصف سنة ثانية كما فعل الزميل والد الطالبة، لأن المتقدمين كثيرون للغاية، ولا يمكن عقد امتحانات لأكثر من ستمائة طالب كل يوم، ويُقال أيضاً إن قائمة الانتظار تضم طلاباً كثيرين، ومنهم أنجال شخصيات تشغل مناصب مرموقة وتتمتع بسلطات واسعة، لكن المدرس يرفض الواسطة والمحسوبية ولا يخشى سطوة أولياء الأمور، لأن كلاً منهم يسعى لمصلحة ابنه أو ابنته، أكثر مما يسعى لاستخدام سلطاته فى إيذاء المربى الفاضل، أستاذ اللغة الإنجليزية.
(2)
عميد كلية الألسن بإحدى الجامعات الحكومية، وهو أستاذ لغة إنجليزية، متخصص فى اللغويات والترجمة، ويشهد له زملاؤه وطلابه بالكفاءة الحقيقية فى تخصّصه، ذهب يسعى هو الآخر لإلحاق أحد أبنائه بنفس هذا النوع من الدروس الخصوصية، وسأله أحد زملائه عن سبب لجوئه إلى مدرس إنجليزى كان ذات يوم تلميذاً له، ورفض رغم هذا استثناء ابن أستاذه من مواعيد وشروط وامتحانات الالتحاق بالدرس الخصوصى، فقال السيد العميد إنه مجبر على الاستجابة لشروط المدرس، ومجبر أيضاً على تحمّل الإهانة التى تعرّض لها حين اتصل تليفونياً بالمدرس الذى كان تلميذاً له منذ سنوات قليلة، ورفض أن يجامله فى قبول ابنه دون تعقيدات إجرائية، فالواقع -كما يقول السيد العميد- أن المدرسين النجوم فى الوقت الراهن ليسوا عباقرة فى العلم، كما يتصور الناس، لكنهم عباقرة فى القدرة على تفريغ عقول التلاميذ من كل شىء إلا ما يتعلق بحفظ الأسئلة والإجابات بالطريقة التى يقدمها لهم المدرس، ثم كتابة ما حفظوه فى ورقة الامتحان، دون أدنى قدر من التفكير أو التأصيل أو الفهم الحقيقى. ويقول السيد عميد كلية الألسن إنه لو حاول التدريس الصحيح لابنه أو ابنته فى ظل المناهج المدرسية والامتحانات الحالية، فإن النتيجة سوف تتراوح بين الرسوب أو النجاح بنسبة ضعيفة، لهذا يترك أبناءه للمدرس الذى يعرف جيداً المسالك والمنحنيات والدروب المؤدية إلى التفوق الدراسى على الطريقة المصرية الحكومية المجانية!!
(3)
يقول الدستور المصرى إن التعليم ببلاش، ويقول مجلس النواب إن التعليم ببلاش، ويقول الواقع إننا أمة بروحين، نقول ما لا نفعل، ونفعل ما لا نقول!