هند بن أبى هالة هو ابن السيدة خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) من «أبى هالة»، الذى تزوجته قبل النبى. عاش «هند» بعد وفاة والده فى كنف ورعاية النبى، ونعته معاصروه بـ«الوصّاف»، فقد تمتع بقدرة فائقة على وصف الشخصيات، وامتاز بمهارة فريدة فى قراءة الخصال الشكلية والعقلية والنفسية والسلوكية لمن يحيطون به. قدم «هند» وصفاً بارعاً للنبى. وكان «التناسق العام» أهم ملمح ركز عليه وهو يصف التكوين الجسمانى لمحمد (صلى الله عليه وسلم).
عرّج «هند» بعد ذلك على وصف منطقه (صلى الله عليه وسلم) فقال: «كان رسول الله متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة، لا يتكلم فى غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير». الحزن خصلة من خصال الشخصية المتأملة، ومنذ شبابه (صلى الله عليه وسلم) كان كثير التأمل، وكان يخلو إلى نفسه بالأيام -حتى قبل البعثة- داخل غار حراء، يفكر فى شأن العالم من حوله. كان طويل التفكير فى الأمور، لذلك يسجل «هند» ملاحظة «ليست له راحة»، فطول التفكير يرهق صاحبه، ويجعله زاهداً فى الحديث من غير حاجة. وكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم اعتمد على اللغة المكثفة والجمل القصيرة العاجلة (جوامع الكلم).
وعن سلوكياته وأخلاقياته (صلى الله عليه وسلم) قال «هند»: «محمد دمث ليس بالجافى ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه، ولا يقوم لغضبه إذا تعرض للحق شىء حتى ينتصر له»، وفى رواية «لا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد ولم يقيم لغضبه شىء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث يصل بها ليضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه. جل ضحكه التبسم».
أبدع «هند» فى وصف أخلاق وسلوكيات النبى مع الناس. فهو يخفض جناحه للجميع ويتعامل مع الكل ولا يجفو أحداً (أى يعرض ويبتعد عنه) ولا ينطق لسانه بما يحمل أى معنى أو دلالة على الإهانة لمن يتحدث إليه، لا يغضب لأمر من أمور الدنيا، فهو متوجه بالكلية إلى الله تعالى، لا يغضب إلا لله وفى الله، وفى حالات غضبه كان يعرض عمن أغضبه، ولا ينتقم من أحد، بل يتركه لله تعالى. يعظم نعم الله كبرت أم صغرت، وهو تعبير يدل على قمة الرضا والتصالح مع الذات.
الحديث الأشهر فى وصف النبى (صلى الله عليه وسلم) رواه الحسن بن على عن خاله «هند ابن خديجة»، وهو نص يعبر فى كل موضع منه عن القدرة الفائقة التى تمتع بها «هند» فى وصف شخصية بحجم النبى، وتعكس عمقاً غير عادى فى فهم الشخوص، وقدرة لغوية بارعة على التعبير بدقة عن خصالهم وسماتهم. وتحمل رواية الحسن وأيضاً الحسين لهذا الحديث دلالة واضحة على متانة جسر الصلة الذى ربط أبناء أخت هند (السيدة فاطمة) بخالهم، وتؤشر إلى موقعه الخاص على خريطة أهل بيت النبى، مما يثير سؤالاً حول عدم حضوره بالصورة التى تتسق مع أدواره داخل كتب التراث الإسلامى عنه، وهل كان انحيازه لعلى ووقوفه ضد أم المؤمنين عائشة فى موقعة الجمل سبباً فى ذلك؟!