بنظرة إلى الأحاديث النبوية نجد أن عددها نحو مليون حديث، أحاديث البخارى 7 آلاف حديث، وبعد حذف المكرر تصير 2500، وأحاديث مسلم 8000، وبعد حذف المكرر تصير 4 آلاف، ومجموع الأحاديث فى كتب السنة بعد حذف المكرر عددها 60 ألف حديث، المهم هنا أن الـ60 ألف حديث فيها 5 آلاف حديث فقط تتحدث عن العبادات، و65 ألف حديث تتحدث عن الأخلاق، ومع ذلك رأينا خطابنا الدينى يتوقف عند العبادات تاركاً أحاديث الأخلاق، مع أن الأخلاق والرقى والحب والعمران والقيم مثلت 65 ألف حديث من كلام الجناب النبوى، ولذلك جاء التعبير القرآنى الدقيق: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وجاء قوله -صلى الله عليه وسلم- (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، الأخلاق ثم الأخلاق ثم الأخلاق هى حقيقة منهج الرسول الكريم، والاحتفال به -وهو جائز- إلا أننا فى حاجة لإعادة قيم ومنظومة الأخلاق فى المجتمع.. أخلاق البيع والشراء والاختلاف، والتقاضى وأخلاق الحرية، وأخلاق التعامل مع الشارع وفى المواصلات، ومع الكبار والصغار، ومع الزوجة ومع الآباء، وهذا وجه من وجوه التجديد فى الخطاب الدينى، وهو الوجه العظيم الغائب عنا فى تقديمه للناس، وبالتالى وقع الظلم على الرسول الكريم، وصار الخطاب المقدم عنه اليوم يسير فى اتجاه وحقيقة المنهج النبوى فى اتجاه آخر.
لم يكن هذا هو الظلم الوحيد الواقع على صاحب الرسالة، إذ هناك ظلم من نوع آخر، هو الالتباس والتشويه فى فهم كلامه الشريف، خذ مثلاً حديث: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله».
فقد أدى غياب اللغة العربية والجهل بها إلى سوء الفهم عن الرسول، سواء من المنتمين للتيارات الإسلامية المتطرفة الذين لم ينتبهوا إلى أصول ومقاصد الشريعة وتعاليمها السمحة التى أعلت من قدر الإنسان ومكانته دون النظر إلى عقيدته أو وطنه أو دينه، وغابت عنهم الكليات الخمس للدين (حفظ النفس والدين والعقل والعرض والمال)، أو الظلم من الشباب المتأثرين بالغرب الذين ألصقوا بالإسلام كل نقيصة وتهمة، وانتهوا بأن رسول الإسلام جاء بالقتل والشر والعنف، أو الظلم من فئة ثالثة أراحت نفسها فأنكرت صحة الحديث أصلاً، دون علم أو بحث أو منهج منضبط، والفئة الثالثة هى أقل الفئات ضرراً.
وإن نظرة منصفة توضح المقصود من الحديث، إذ حدث خلط بين (أقاتل) و(أقتل)، فالأولى تدل على المشاركة فى الفعل، لأن كلا الطرفين يقاتل، وكما قال الإمام الشافعى: (قد يحل القتال ولا يحل القتل)
كما أن اللغة تدل على أن لفظ الناس من العام المراد به الخاص، وله فى القرآن الكريم نماذج متعددة، منها: «ويكلم الناس فى المهد»، فالناس هنا هم الذين كلمهم عيسى عليه السلام، وليسوا كل الناس، ومنه قوله: «وأذن فى الناس بالحج»، فالناس هنا هم فئة المؤمنين، فالناس فى الحديث هم الذين بدأوا بالاعتداء وليس مجرد الكفر، هذا فضلاً عن النصوص الواردة من الجناب النبوى تؤكد على حرمة الدماء، وتشدد فى ذلك، ليس هذا فقط، بل تؤكد على حرمة إيذاء الحيوان فضلاً عن الإنسان، مجرد الإيذاء وليس القتل. وقد رتب الرسول الكريم النار عقاباً لامرأة تسببت فى إيذاء قطة فحبستها.. وهكذا يتواصل الظلم على خير البشرية من أتباعه وغير أتباعه.