فى حوار تليفزيونى على قناة «السى إن إن» الأمريكية -عقب ظهور نتيجة الانتخابات الأمريكية منذ عامين - مع أحد المواطنين الأمريكيين الذين قاموا بانتخاب «دونالد ترامب».. كان السؤال يدور حول سبب اختياره «الشاذ» من وجهة نظر المراسل.. بل والإعلام الأمريكى كله.. فكان رد المواطن الأمريكى بسيطاً للغاية: «أشعر بالملل منذ فترة.. وأعتقد أن اختيار «ترامب» سيجعل الحياة مختلفة بعض الشىء»!!
بقدر ما كان المواطن الأمريكى يجيب فى بساطة شديدة.. بقدر ما أصابت الإجابة المراسل بصدمة ظهرت واضحة على تعبيرات وجهه المحتقن!
لقد انتخبه ذلك المواطن بنفس المنطق الذى يقرر به القيام برحلة شاطئية فى إجازته الأسبوعية.. وبنفس العقلية التى تجعل البعض الآخر يخوض مغامرة مثيرة لكسر الملل.. أو دخول بيت الرعب فى مدينة الملاهى!
إنه الملل.. آفة الشعوب الغربية مجتمعة.. إنه رغبة الفرد فى كسر روتين ما أو الشعور بالضيق من شىء ما، ما يجعل الفرد أكثر استعداداً لاتخاذ المجازفات لكسر حدته..!
إنه الحافز القوى الذى يجعلك تحاول كسر الروتين اليومى.. والقفز على القواعد المعروفة والتقاليد المحددة.. ذلك الملل الذى يدفع بعض مواطنى العالم الغربى إلى الانتحار أحياناً.. ويدفع مواطنى العالم الثالث إلى مشاهدة مذيعى «التوك شو» مساء كل ليلة!
الأمر نفسه ينطبق على ذلك الموضوع الذى ينتشر كالنار فى الهشيم كل يوم جديد على مواقع التواصل الاجتماعى.. أو ما يعرف بـ«التريند».. إنه نوع من استنفار الوجدان الجمعى لأمر ما.. مهما بلغت تفاهته وغرابته.. ليحظى بشهرة واسعة فى زمن قصير.. فيكسر حدة الملل الذى يعانى منه رواد تلك المواقع.. والذى كان السبب الأساسى لاستخدامها فى الأساس..!
ففى يوم وليلة.. استيقظ المصريون على سجال من نوع آخر على صفحات التواصل الاجتماعى، بطلاه اثنان من هؤلاء الذين يقدمون بمساعدة الآلات صراخاً أشبه بحفلات الزار الجماعى.. أو ما يطلقون عليه اسم «فن المهرجانات».. إنهما «حمو بيكا» و«مجدى شطة».. الاسمان يشيان بأنهما ينتميان لمستوى ثقافى معين يليق بهما حقاً.. حتى مستوى السجال والتراشق اللفظى بينهما ما كان ليجعل قصة بهذا الشكل تتخطى حيز جمهورهما الذى ينتمى لنفس البيئة!!
المشكلة أن الصراع قد احتدم بينهما ليذيع صيتهما، وتهافتت برامج التوك شو والمواقع الإخبارية لعرض أخبارهما لدرجة فاقت ألمع نجوم الفن فى مصر، لقد تحول ذلك الشاب السكندرى «حمو بيكا» لنجم حقيقى.. وتصدر «التريند» على شبكات التواصل، لدرجة تثير بالإضافة إلى الاستنكار الكثير من التساؤلات عن السبب فى جعل مثل هذا الشاب يحظى بكل هذا الاهتمام!!
البعض يرجع المشكلة إلى ضحالة الذوق العام.. والبعض الآخر يشير بأصابع الاتهام للإعلام الذى يبحث عن كل ما هو تافه ليشغل به الناس.. ولكن أحداً لم يصل إلى السبب الحقيقى..!
إنه الملل.. الملل الذى يجعل بعض الأثرياء يقومون بأفعال غريبة شاذة.. ويجعل محدودى الدخل يدخلون فى مشاجرات حامية الوطيس بسبب «عشرة طاولة» مساء على المقهى..!
إنها المغامرة التى قرر المواطن الأمريكى أن يخوضها.. وأن يخوضها معه العالم كله.. غير عابئ بما قد يطول بلاده من أضرار أو فوائد.. والتجديد الذى يبحث عنه رواد مواقع التواصل دون أن يدركوا أنهم يفسدون الذوق العام بهذا الاهتمام.. وأنهم يخلقون أجيالاً جديدة تعترف بهؤلاء كمطربين.. سيختفى حمو بيكا ومجدى شطة كما ظهرا.. ولكن الملل سيستمر فى تقديم أمثالهما قرابين فى محرابه.. حتى ينتهى.. أو يقتلنا!