ونحن بصدد الجمهورية الثالثة التى تعتبر مسألة (طابا) هى نقطة البداية لانطلاقها وتدشينها، ولذلك أولاها «مبارك» أهمية خاصة كونها محور الوصول إلى الشعب المصرى لكى يعترف بقيادته ويتخلى عن نظرته فى أنه مكمل لما قام به «السادات»، ولذلك فقد اعتبرها (قضية وجود) يجب أن تبذل كل الجهود من أجلها، وهو ما جعله يجتاز معارك سياسية على مسرح المجتمع الدولى ولكن لم يلتفت المجتمع المصرى إليها ولَم يولِها أهمية، مما جعل «مبارك» يدرك أن عليه بعمل يمس وجدان الشعب ليصل إلى قلوب الملايين، وربما طول وقت حكم مبارك كان نتيجة لمحصلة عمله فى النطاق الدولى بتأنٍ للحصول على ما يريد، وعندما فهمت أمريكا هذا عنه سرَّعت إيقاع الأحداث معه فى حين ظل هو لم يتغير فكانت الإطاحة.. ولكن قبل هذا فإن رحلة التأنى بدأت معه فى نهاية عام ٨٢ عندما وضح أنه لن يكون هناك اتفاق سريع بين مصر وإسرائيل بخصوص (طابا) خاصة عندما سعت إسرائيل إلى كسب الوقت والوصول إلى حل وسط وهو تقسيم منطقة طابا بينها وبين مصر، بحيث يقع الفندق الذى أقامته فى الجانب الذى سيؤول إليها، فى حالة تطبيق هذا الاقتراح، وهذا كان دليلاً على أنها لم تكن واثقة من نتيجة التوفيق أو التحكيم لضعف حججها وأسانيدها، بينما مصر متمسكة بمصرية طابا وواثقة أن التحكيم معها، وأيضاً سعت مصر لإدخال الجانب الأمريكى كطرف شريك فى الأزمة، بينما إسرائيل كانت غير راغبة فى إشراك أمريكا حتى لا يأخذ النزاع على طابا طابعاً دولياً، ومن هنا علم «مبارك» أن أزمة طابا سوف تطول لأن إسرائيل لجأت إلى المماطلة حتى يمكن أن يفرض الأمر الواقع على مصر التى استشعرت خطورة ما تسعى إليه إسرائيل، فقامت على الفور بتوجيه خطاب من وزير الخارجية كمال حسن على، إلى إسحاق شامير وزير خارجية إسرائيل، يتضمن ضرورة الالتجاء إلى التحكيم فى أسرع وقت ممكن حتى لا يؤثر هذا الخلاف على تعليم الحدود بين البلدين وتطورها مستقبلاً، وحتى لا يتولد شعور لدى الشعب المصرى بالإحباط فى بداية العلاقات الطبيعية بين البلدين تجاه احترام أحكام معاهدة السلام التى نصت بوضوح فى مادتها السابعة على اللجوء للتوفيق والتحكيم على ما يطرأ من خلاف حول تطبيق أو تفسير المعاهدة.. ومهما يكن من أمر فإنه لا يصح التهوين من أهمية عنصر الزمن فى مسألة الحدود، خاصة أن القانون الدولى نفسه لا يملك تجاهله كما لا يجب أن يترك عنصر الزمن ليتحول معه الاحتلال المؤقت إلى حيازة دائمة.. وترك «مبارك» اللجان القانونية والفنية التى شكلها لتتبنى قضية التحكيم لطابا، واتجه هو إلى تهيئة مناخ المجتمع الدولى للتعريف بالقيادة السياسية للدولة المصرية لكى يكون له حساب فى مسألة التحكيم، وفى يناير ٨٣ بدأ جولة زار فيها فرنسا وأمريكا وبريطانيا، وكرر ذلك فى أكتوبر بنفس العام لباريس ونيويورك وواشنطن، ورغم أن الهموم الاقتصادية كانت على رأس قائمة القضايا التى بحثها، إلا أن القضايا السياسية فرضت نفسها أكثر واكتسحت جزءاً كبيراً من هذه الزيارات، وهو ما جعله يعلن فى جميع المحافل الدولية فى كل لقاءاته سواء مع الرئيس الفرنسى ميتران بباريس، أو القمة المصغرة لدول عدم الانحياز فى نيويورك، أو من فوق منبر الأمم المتحدة أو محادثاته مع الرئيس الأمريكى ريجان، حرص مصر على دفع قضيتها إلى الأمام، وكان على طاولة أى لقاء تثار مشكلة سحب السفير المصرى من تل أبيب من جراء الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام ٨١، ورهن «مبارك» عودة السفير بثلاثة أشياء (الانسحاب الإسرائيلى الكامل من لبنان - إبداء قدر كبير من المرونة لمشكلة طابا - وقف بناء المستوطنات فى الأراضى العربية المحتلة) وقد حقق تحرك «مبارك» دولياً انتصاراً دبلوماسياً لمصر صاحب انعقاد الدورة ٢٨ للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك عندما نجحنا فى الحصول على مقعد فى مجلس الأمن لعامى ٨٤ و٨٥ بأغلبية ١٢٥ صوتاً.
ومع بداية فترة الحكم الثانية للرئيس الأمريكى (ريجان) عام ٨٥ بدأت مصر فى بناء علاقات أكثر تقرباً وأهمية بواشنطن، وفى الميعاد المحدد لزيارة مبارك وهو شهر مارس من كل عام وهو الشهر الذى تقوم فيه الإدارة الأمريكية بدراسة وتحديد مساعداتها الخارجية للدول الصديقة والحليفة، ولقد راعت مصر طوال فترة حكم مبارك الحفاظ والسعى لهذه الزيارة كل عام أو عامين على الأكثر إلا أنه ومنذ عام ٢٠٠٧ كانت أمريكا ترفض هذه الزيارة بأسلوب دبلوماسى لا يخلو من معنى عدم رغبتها فى هذه الزيارات، المهم أنه فى عام ٨٥ قام ثلاثة وزراء على أعلى مستوى للدولة بالتحضير لزيارة مبارك المرتقبة وسافروا قبلها بأسبوعين.. يتبع.