الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى قيد المحاكمة الآن، بتهمة الفساد والتمويل غير الشرعى للانتخابات.
أساس التهمة إشارة جاءت على لسان سيف الإسلام القذافى عام 2011 بأن «ساركوزى» نال شيكاً ليبياً سخياً للمشاركة فى تمويل حملته الانتخابية عام 2007. كلام «سيف القذافى» لم يمر مرور الكرام، فتم احتجاز «ساركوزى» وإخضاعه للمحاكمة، والله تعالى أعلم بماذا سيحكم القضاء الفرنسى عليه. الفارق كبير بالطبع بين أداء «ساركوزى» الذى وضعه قيد المحاكمة من أجل حفنة دولارات تساعده على الوصول إلى الكرسى، وأداء زعيم تاريخى مثل شارل ديجول الذى تنحَّى عن الحكم حينما لم تقنعه نسبة «الأغلبية» التى حصل عليها فى الاستفتاء الذى أجراه حول تطبيق المزيد من اللامركزية فى فرنسا. قد يقول قائل إن «ديجول» زعيم تاريخى استثنائى لا يقارن بغيره، ولكن ماذا إذا قارنا بين «فرانسوا ميتران» و«ساركوزى»؟.
زمن ديجول كان زمن «الرجال»، أما زمن الناس هذا فهو زمن المال. لم يكن «ديجول» الرجل الوحيد الذى يتحرك على مسرح الأحداث بالعالم، بل ظهر على خريطته أسماء أخرى لامعة على مواقع عديدة منه. هذه القيادات التى يمكن وصفها بـ«التاريخية» اجتمعت فى سياق زمنى محدد ثم اختفت، وأصبحت أسواق السياسة فى العالم الآن تحتشد بـ«رجال المال». يصح أن نقول إن لكل عصر ظروفه، هذه حقيقة لا مِراء فيها، لكنْ ثمة فارق أساسى بين أن يستهدف سعى الزعماء للحصول على المال بناء الدول التى يتولون قيادتها، وبين أن تكون أرقام حساباتهم السرية والعلنية هى البوصلة التى يتحركون وراءها بعد وصولهم إلى كراسى الحكم، أو خلال السعى إلى تحقيق ها الهدف.
نحن الآن فى زمن المال، فمن حين إلى آخر تظهر قضايا فساد تتعلق بزعماء دول أو رؤساء حكومات سابقين أو حاليين. ودعنى أكرر لك أن سعى أى زعيم إلى تعظيم المال المتدفق إلى شعبه ودولته أمر محمود بكل المقاييس، فإحدى وظائفه الأساسية إنعاش الأوضاع الاقتصادية للدولة التى يحكمها، لكن المأساة تظهر عندما يحاول بعض هؤلاء الزعماء تغطية سعيهم للحصول على المال الخاص الذى يخدم مصالحهم بأحاديث لا تنتهى عن «النفع العام» الذى يمكن أن يتحقق من هذا الطرف أو ذاك.
الزمان اختلف نعم، لكن يبقى أن الفارق بين القيادات التاريخية التى عاصرناها أو قرأنا عنها والقيادات المتورطة فى العمل من أجل «الرصيد الشخصى» أو تحقيق الأهداف الخاصة لا يرتبط باختلاف العصر فقط، بل يرتبط بعامل آخر تلخصه عبارة «فروق القدرات». فثمة فارق كبير فى القدرات بين زعماء كانوا يتمتعون بالمهارة الواجبة فى إدارة الأمور والعبور من الأزمات والقدرة على إقناع شعوبهم، وزعماء لا يبرعون إلا فى عقد الصفقات التى تخدم أغراضهم فى الاستمرار أو تسييل الأموال لصالحهم وخداع شعوبهم بأحاديث وهمية.. المسألة ليست فقط فى اختلاف الزمن، لكنْ ثمة فارق كبير بين قدرات «ديجول» وقدرات «ساركوزى».