أبداً لن يتسرب اليأس إلى قلبى مهما حاولوا إبعادنا.. سأنتظرك مهما طال غيابك هذه المرة فقد اعتدت على وجودك معى واعتدت أنت أيضاً.. فنحن نلتقى كل عشرة أشهر فى مثل هذا التوقيت من كل عام منذ أكثر من 20 عاماً وتحديداً فى كل خريف.. فى أول لقاءاتنا عام 1998 استغربتك.. تخوفت منك.. أعلنت رفضى لك.. ولكنك تمسكت بى.. أصررت على البقاء بل فرضت نفسك علىّ.. فاستسلمت لك طواعية ووعدتنى بالعودة كل عام لتمضى معى شهرين.. وبالفعل ظللت على وعدك معى ودائماً توفين به وأبداً لم تخلفيه يوماً على مدى هذه السنوات الطوال!!
ماذا جرى هذا العام فقد أخلفت وعدك لى هذه المرة وتأخرت طويلاً.. يجتاحنى القلق.. تبتلعنى الحيرة وأكاد أجن خاصة بعد أن ترددت أنباء أن بعض «قساة القلوب» قد احتفلوا يوم الخميس الماضى وهم يهنئون أنفسهم بنجاحهم فى منعك من الوصول إلىّ ولكننى لم ولن أصدقهم فى ذلك، فقد رددوا هذه «الادعاءات» عشرات المرات طوال هذه السنوات الماضية ولكن لم تنل منك تهديداتهم بمطاردتك.. ولم ترهبك ميزانيات بالملايين جرى رصدها لتصفيتك فضاعت كلها وتبخرت فى الهواء.. لم تهتمى لحظة واحدة بجيوش الموظفين الذين تمت تعبئتهم لمواجهتك.. لم تهزك ترسانة التصريحات الرسمية التى يطلقونها دوماً ببدء العد التنازلى للقضاء عليك، بل على العكس اخترت التحدى وأصررت على المواجهة!!.. فى سنوات سابقة أعلنت تحديك لـ9 وزارات اختارت منتخباً من مسئوليها ليصبحوا ممثلين فى لجنة عليا لمواجهتك ولكنك أطحت بثلاثة منهم حاولوا التصدى لك فاكتسبوا لقب «سابق» فخسروا مواقعهم المرموقة.. ولم ينتبه أحد من هؤلاء «الغزاة الجدد» لمصيرهم «المحتوم» إذ أصروا على منعك..!
أما أنت عزيزتى فلن أقف ساكناً فى انتظار ظهورك.. بل سأجول فى كل المحافظات بحثاً عنك.. ولن أترك عرافاً ليكشف لى أين أنت.. سأتجرع العشرات من فناجين القهوة ليفتش عنك فى قاعها..!
أكاد أجن فلقد دفعنى القلق لأن أبعث بخطاب قاس لمن يتوهم أنه قادر على منعك من لقائى وقلت له بحروف نارية: سيدى.. لست «سادياً» حتى أستمتع بتعذيبك، فإننى أدرك أن قسوة كلماتى سوف تذبحك أو تحفر فى قلبك ألماً لن تستطيع أن تتجاوزه بسهولة أو على الأقل ستصيبك بإحباط شديد ولكنها للأسف هذه هى الحقيقة التى تغيب عنك دوماً أو على الأقل تسعى أنت لتتجاهلها على الرغم من سابق فشلك فى تجنبها مرات عديدة..!
سيدى.. لم تعد ولياً لأمرها.. وعليك أن تدرك أن قبضتك عليها لم تكن فى أى يوم من الأيام حديدية بل على العكس من ذلك تماماً فقد كانت دائماً حريرية الملمس.. وعليك أن تواجه نفسك الآن بالحقيقة.. فإنك مهما حاولت فلن تستطيع منعها من لقائى وأتحداك أن تجرؤ على أن تحاول ولا أقول أن تقدر أن تمنعها.. فقد شبت هى عن الطوق وأصبحت حرة تفعل ما تشاء.. تلقانى وقت ما تريد ومع ذلك تصر أنت على عنادك معها وتتوهم أنك تستطيع احتجازها أو منعها من هذا اللقاء..!!
سيدى.. لقد فشلت أنت أكثر من مرة فى أن تتقمص دور «أبولهب» معها وتتصور أن فى مقدرتك وأدها.. فقد مضى عصر «وأد» الإناث إلى غير رجعة ولن يعود ومع ذلك يحلو لك كل عام أن تتوهم قدرتك على التخلص منها أو على الأقل السيطرة عليها.. وفى كل مرة يكون الإخفاق حليفاً لك ورفيقاً دائماً لمحاولاتك هذه..!
سيدى.. أنت أصبحت أضعف من أن تفرض عليها كلمتك.. وهى أصبحت أقوى فى مواجهتك.. تتحدى العالم وأنت فى مقدمتهم وتخرج متى تشاء لتلقانى سواء أمام الجميع صباحاً أو فى المساء لتبقى إلى جوارى حتى تشاء الرحيل مع وعد منها بلقاء جديد..!
سيدى.. صباح اليوم سألقاها كما التقيتها مساء أمس.. ولتعتبر أنت ذلك إخباراً لك أو وشاية عليها وأتحداك أن تمنعها.. وغداً يوم جديد.. ولقاء جديد.. وأنصحك ألا تحاول حتى أن تتبعها وأيضاً لا أقول أن تمنعها.. سنلتقى وسط جيش العيون التى جندتها أنت لمراقبتها.. ولن تقوى أنت حتى على أن تناقشها فيما تفعله معى وبى..!!
سيدى.. دعنى أقل لك على الرغم من أن كلماتى تلك قد تكون جارحة لما تسميه أنت مسئوليتك عنها فإننى لا أستطيع السيطرة على دقات قلبى عندما تلقانى ويكاد من يجاورنى يسمعها.. أختنق من شدة الانفعال وتتفجر دموعى كجدول صغير تجرى مياهه فى سلاسة متناهية.. أتوه وأكاد أفقد الوعى من حرارة اللقاء.
سيدى.. مثلما واجهتك بالحقيقة المؤلمة سأواجه نفسى أيضاً وأعترف لك بما كنت أحاول أن أخفيه حتى عن نفسى فإننى بعد أيام قليلة منذ أول لقاء جمعنى وإياها قبل نحو20 عاماً، اكتشفت أن ما تفعله هى معى تفعله أيضاً مع غيرى.. وإننى لم أكن فى أى يوم من الأيام ضحيتها الوحيدة فى حياتها القصيرة هذه، ومع ذلك لم أستطع أن أبتعد عنها أو أهرب منها.. ولم تستطع هى أن تغادرنى أو تحتجب عنى..!
سيدى لا أجد ما أقوله سوى أنها وجدت لتعذبنى.. وأننى قد خلقت على تلك البقعة من الأرض لألقاها شهرين من كل عام..!
انتهى الخطاب وبقيت كلمة أهمسها فى أذنك معشوقتى: نادم أنا على كل ما قد أكون قد اقترفته فى حقك دون أن أقصد.. فأرجوك أن تتنازلى عن عنادك واغفرى لى كل أخطائى.. لا تتركينى نهباً لليأس والإحباط وإن عدت أنت.. فلن أعود أنا إلى مثل تلك الحماقات ولن أغضبك أبداً.. ولن أنطق مهما عانيت منك وهذا وعدى لك.. فعودى إلىّ فقد اعتدتك وأدمنتك برغم ما أعانيه معك على مدى أكثر من العشرين عاماً الماضية!
السطور السابقة كتبها مواطن قاهرى بعد أن أصيب بالذعر من الاحتفال الذى أقيم يوم الخميس الماضى وضم كلاً من الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة والدكتور عز الدين أبوستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، واللواء محمد شعراوى، وزير التنمية المحلية، والدكتور محمد صلاح، الرئيس التنفيذى لجهاز شئون البيئة، بمناسبة إعلانهم نجاح استراتيجية القضاء على السحابة السوداء!!.