مسكين هذا الأردوغان الذى صدق أنه ملك تركيا بيمينه والشرق الأوسط بشماله، وأنه صار قاب قوسين أو أدنى من حلم الخلافة العثمانية الجديد. وثق المسكين فى وعود الغرب له بالسيطرة السياسية والاقتصادية على المنطقة بعد نشر نموذجه فيها. فامتلأت نفسه بالتيه والزهو الذى فاق حده فصار كالطاووس يمشى رافعا رأسه غير عابئ بالنظر تحت أقدامه، فما كان إلا وكما سار وقع، ولكنه لم يكش ملك بعد. هكذا هى ببساطة حكاية رجب طيب أردوغان بائع الصميط الذى بات عليه مواجهة سيوف فتح الله كولن الصوفى، حليف أمسه الذى سهل له -عبر تخطيط أمريكى- الوصول للحكم فى 2001 و2007 و2011. نعم تلك هى الحقيقة ببساطة فكما أدرك الغرب أن التمكن من منطقة الشرق الأوسط لن يتم إلا بتفتيتها طائفيا ودينيا، فساعدوا على وصول الحكم الدينى لتركيا العلمانية، واحتلوا بغداد مقسمين إياها بين الأكراد والشيعة والسنة، وقسموا السودان شطرين مسيحى ومسلم، قابلة للمثالثة بعد انفصال دارفور كما يخططون. وأوصلوا الإخوان للحكم فيما عُرف بهتانا ببلاد الربيع العربى، ومكنوهم من مفاصل الدولة كما فى المغرب والأردن، بات على الغرب الآن البحث عن بديل لأردوغان الذى كان ملكيا أكثر من الملك فتفانى فى خدمة أسياد المخطط الصهيو-أمريكى وانكشف سريعا فبات ورقة محروقة. من هنا كان لا بد من عودة فتح الله كولن للساحة. بعدما صار علامة مسجلة منذ ثمانينات القرن الماضى فى تركيا عبر المشروعات الاقتصادية، وإنشاء المدارس -150 مدرسة حول العالم من بينها صلاح الدين فى التجمع الخامس بالقاهرة- والمؤسسات الدينية، وقبل كل هذا التمكين فى مؤسسات القضاء والمخابرات والشرطة التركية. بعدما أغمض أردوغان عينيه عن هذا التوغل لحين تقليم أظافر الجيش التركى عبر محاكمات قياداته فى مؤامرات عدة كان آخرها المطرقة عام 2011. ولكن لم يكن لأردوغان أن يصمت كثيرا على حليف أمسه وهو يراه يمسك بتلابيب الدولة. فما كان من «طيب» إلا التكشير عن أنيابه لغريمه فأغلق له المؤسسات التعليمية التابعة له ظناً منه أن «كولن» ليس له أنياب أمريكية، أو أن خدماته للغرب ستشفع له. لكن تناسى «أردوغان» أن الأمريكان ليس لهم أمان وأن «كولن» وأمثاله -كالسلفيين والنشطاء- غير مستحب الاقتراب منهم واستعدائهم لأنهم يخدمون أهداف المشروع الصهيو-أمريكى حين الحاجة لهم. وهكذا وبعد الكثير من الأخطاء وبعد مفاجأة سقوط إخوان مصر، فقد الأمريكان الرغبة فى مواصلة اللعبة مع «طيب».. يا حرام وماذا ستقول يا «أردو» عن النموذج الإسلامى التركى القابل للتعايش مع الآخر، بينما هو فاقد للقدرة على التعايش مع نفسه داخلياً، بعد أن دب الخلاف العلنى بينك وبين «كولن»؟
وهكذا يا سادة يسقط عميل جديد فى معارك تجار الدين فى المنطقة، لندرك أن جميع هؤلاء لا علاقة لهم بدين، ولكنهم مجموعة مرتزقة يتنازعون على المصالح، يرتبطون فى سياستهم بغرب أحمق تَتَرىّ الفكر والمنهج، يستخدمهم كأدوات يلقى بها بمجرد أدائها المطلوب منها مع غيرهم من العملاء. لا أدعى امتلاكا لرؤية مستقبلية تحدد مصير أردوغان وتركيا، ولكننى أرى أن ما يحدث هو إعادة تقسيم الأدوار بين اللاعبين العملاء بعد كل أحداث الأشهر الأخيرة. قد يفشل «أردوغان» فى إكمال حلمه أو يستمر، لكن الأهم فى تقديرى هو الانتباه للمستجدين على الملعب السياسى فى المنطقة، فالغرب لن يتخلى عن خططه وهو يعلم أن إسرائيل لا يمكن أن تكبر أكبر من هذا ولكن من الممكن تصغير الدول المحيطة بها أصغر من هذا، عبر تحويلها لكنتونات وكيانات صغيرة تنشغل بصراعاتها مع بعضها البعض، فيكون للدولة الصهيونية اليد الطولى، فانتبهوا أيها السادة.