توقع المنتدى الاقتصادى العالمى «دافوس 2016» انطلاق ثورة صناعية رابعة فى غضون عامين، تركز بشكل أساسى على الذكاء الاصطناعى، وتعزيز توظيف التكنولوجيا فى كافة المعاملات اليومية للبشر.
وبالفعل انطلقت هذه الثورة مع عام 2018، وبدأ العالم يترقب الدول التى ستحقق قفزات اقتصادية كبيرة بالتزامن مع هذه الثورة، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة ودول أوروبا فى الثورة الصناعية الأولى التى قامت على «الآلات البخارية»، والثورة الصناعية الثانية التى ارتكزت على «الكهرباء»، وما فعلته دول جنوب شرق آسيا وبالتحديد اليابان وكوريا الجنوبية فى الثورة الصناعية الثالثة التى قامت على التوسع فى استخدام الكمبيوتر.
ويترقب العالم ظهور لاعبين جدد مع انطلاق الثورة الرابعة، وتحدثت التقارير الدولية عن دول بعينها تستطيع تحقيق ما يطلق عليه «الوثبات السريعة» فى أدائها الاقتصادى والصناعى خلال هذه الفترة، حيث ذكرت كل من الهند وفيتنام وسنغافورة من آسيا، ومصر وجنوب أفريقيا من أفريقيا، والبرازيل من أمريكا الجنوبية.
وأظهرت هذه التقارير أن المعطيات التى تقوم عليها الثورة الصناعية الرابعة تختلف عن الثورات الثلاث السابقة، حيث تقوم على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، وبرامج الحوسبة، وتحليل البيانات الضخمة، مؤكدة أن النجاح فى هذه المجالات يقوم على «مجرد فكرة» لا تحتاج لرؤوس أموال ضخمة، ولا قلاع صناعية كبيرة، الأمر الذى يجعل الدول سواسية فى إمكانية تحقيق القفزات الاقتصادية خلال هذه الثورة، خاصة الدول التى تمتلك أنظمة تعليمية متطورة، وتيسيرات فى بيئة المشروعات الناشئة وريادة الأعمال.
وتمتلك مصر كافة المقومات التى تؤهلها لتحقيق هذه القفزات، خاصة مع تهيئة البنية التحتية بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وإطلاق العديد من المبادرات الداعمة لرواد الأعمال والشركات الناشئة، واهتمام القيادة السياسية فى مصر بتعزيز دور مشروعات التكنولوجيا فى النمو الاقتصادى، وظهر ذلك بوضوح فى التوصيات الصادرة عن الدورة الثانية لمنتدى شباب العالم التى تضمنت تأهيل الشباب للعمل فى مجال البرمجة، وتوفير التسهيلات للشركات الناشئة، وفتح المجالات أمام الاستثمار فى الألعاب الإلكترونية والمجالات الجديدة التى تشهد رواجاً عالمياً خلال الفترة الحالية.
وأتصور أن الفرصة الآن باتت كبيرة للغاية لخروج مصر من تصنيف الدول الفقيرة والنامية، لتدخل مرحلة الصعود الاقتصادى السريع، ثم التقدم، والازدهار، وفى تقديرى أن الحكومة المصرية تعى ذلك جيداً وتعمل على مدار الساعة على تحقيق النقلة النوعية فى الأداء الاقتصادى وتعظيم مؤشراته الإيجابية على الرغم من التحديات الكبيرة التى تواجهها الدولة جراء التطورات الخارجية المتلاحقة، التى يأتى فى مقدمتها أزمات الأسواق الناشئة وارتفاع الفائدة عالمياً، وحَذَر الاستثمارات الخارجية، والسياسات الحمائية التى تتبعها الدول لحماية صناعتها المحلية.
ويمكننى إيجاز المحاور التى ينبغى أن تركز عليها الدولة خلال الفترة المقبلة لاستغلال الفرصة السانحة أمامنا وتحقيق التحول الاقتصادى المستهدف.
المحور الأول يرتبط بضرورة تطوير المنظومة التعليمية لكى تتواكب مع التخصصات الجديدة فى سوق العمل التى استحدثتها الثورة الرابعة، والتى ترتبط فى الغالب بنشاط البرمجة ومهندسى الإلكترونيات ومطوّرى الأنظمة الصناعية الذكية، على حساب التخصصات التقليدية التى ترتبط بالحقوق والتجارة والآداب.
حيث أشارت دراسات عالمية إلى أن أكثر من 40% من المسميات الوظيفية الحالية ستختفى خلال العقدين المقبلين، وتحل محلها مسميات وظيفية تتعلق بمجالات جديدة يتصدرها الذكاء الاصطناعى والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
المحور الثانى يتعلق بضرورة تطوير برامج الدعم التى تستهدف رواد الأعمال، خاصة فى المشروعات التى تعمل على توظيف التكنولوجيا فى تيسير المعاملات اليومية للبشر فى المجالات المختلفة، كالمجال المالى والتجارى، وخدمات النقل والسياحة، وغيرها.
فعلى الرغم من المبادرات التى نفذتها الدولة فى هذا المحور، فإن النتائج ما زالت محدودة فى ضوء الصعوبات التى تواجهها الشركات الناشئة فى توفير التمويل مرتفع المخاطر، وإنهاء الدراسات والإجراءات التأسيسية المكلفة.
المحور الثالث يرتبط بالقضاء نهائياً على تعاملات الكاش فى الاقتصاد، وتحويلها لمدفوعات إلكترونية، حيث تعد المعاملات النقدية المباشرة عن طريق «الكاش» أحد أهم التحديات التى تواجه ظهور التطبيقات التكنولوجية الحديثة، التى تنتج عن الأفكار الريادية سريعة النمو.
المحور الرابع يتعلق بضرورة تعزيز استخدام التكنولوجيا فى الصناعة، وتوسيع دور الذكاء الاصطناعى، من خلال تيسير استيراد مكونات «الروبوتات» وتدريب مهندسين وفنيين قادرين على التعامل معها، لضمان عدم تأثر الصناعة المصرية سلباً نتيجة الاعتماد على السياسات الإنتاجية التقليدية فى مواجهة عالم يتطور كل لحظة!