من بين عدد هائل من الموضوعات التى تشكل أهمية بالغة للحاضر والمستقبل، سأسعى خلال هذا المقال إلى مقاربة ثلاث قضايا، أرى أنها فى حاجة إلى شرح أو توضيح أو لفت انتباه، خصوصاً أن بعض تلك القضايا تم فهمه وتأويله على نحو خاطئ تماماً، كما أن بعضها الآخر مر من دون أن يحظى بالاهتمام اللائق به.
1- لجنة دائمة لحقوق الإنسان
فى منتصف شهر نوفمبر الحالى، أصدر الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، قراراً بإنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بحيث تتشكل برئاسة وزير الخارجية أو من يفوضه، وعضوية ممثل عن كل من وزارات الدفاع، والتضامن الاجتماعى، والعدل، وشئون مجلس النواب، والداخلية، بالإضافة إلى المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى لشئون الإعاقة، والهيئة العامة للاستعلامات، والنيابة العامة. ويكون لوزير الخارجية، وفق قرار إنشاء اللجنة، أن يدعو من يراه من الوزراء ورؤساء الجهات المشار إليها، كما للجنة الاستعانة بمن تراه من ذوى الخبرة فى مجال حقوق الإنسان.
وحدد المتحدث باسم مجلس الوزراء بعض مهام اللجنة فى ما يلى: تتولى اللجنة إدارة آلية التعامل مع ملف حقوق الإنسان، والرد على الادعاءات المثارة ضد جمهورية مصر العربية بشأن حقوق الإنسان، وإعداد ملف مصر الذى يُعرض على آلية المراجعة الدورية الشاملة أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ومعالجة المشكلات المتعلقة بحقوق الإنسان فى مصر، التى تثار على الصعيد الدولى، وإعداد الردود على الادعاءات المثارة والتواصل مع الجهات المعنية لتعميمها ونشرها.
ومع صدور هذا القرار، وتوضيح تلك المهام، سمعت وقرأت الكثير من الانتقادات، كما أظهر بعض المهتمين قدراً من الدهشة والاستغراب، حيث ثار تساؤل مهم: لماذا تم إنشاء اللجنة؟ وألا يعد إنشاؤها افتئاتاً على دور المجلس القومى لحقوق الإنسان؟ ولماذا لم يُمثل المجلس فى عضويتها؟
من جانبى، أعتقد أن قرار إنشاء اللجنة صائب وضرورى، وأن دورها لا ينال من دور المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأن تفادى ضم عناصر من المجلس للجنة عمل حكيم ومدروس.
دور المجلس القومى لحقوق الإنسان يتركز فى جانبين رئيسيين، هما تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وهو أمر لا يتضمن «الرد على الادعاءات المثارة ضد الحكومة»، ولا الحديث باسمها فى المحافل التى تنتقدها أو تناقش بعض ممارساتها ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ولكى يحافظ المجلس على استقلاليته، وعلى مكانته الدولية، بما يصب فى تعزيز الصالح العام، ويرفد القوة الشاملة المصرية بمدد مهم، عليه أن يبقى بعيداً عن لعب دور محامى الحكومة، لأنه ببساطة «محامى حقوق الإنسان المصرى»، وهو الأمر الذى يُبرز الحاجة لوجود لجنة دائمة مثل التى شكلتها الحكومة مؤخراً.
2- لائحة جزاءات الإعلام
قرأت لائحة منسوبة إلى لجنة الشكاوى فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وقد تم تقديمها باعتبارها مسودة أو مقترحاً بالجزاءات التى ستوقع على وسائل الإعلام فى مصر، بعدما يفرغ مجلس الدولة من مراجعتها، كما تقول الصحف والمواقع الإلكترونية.
لقد سألنى عدد من الزملاء الصحفيين عن تلك اللائحة، وما إذا كانت ضرورية، أو منطقية، أو دستورية، أو قانونية، وعن قدرتها على خدمة الواقع الإعلامى وتنظيمه.
لكن لم يمر وقت طويل قبل أن يعود مسئولون فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لنفى وجود تلك اللائحة، أو عرض أى مشروع بشأنها على الأعضاء.
ومن جانبى، أرى أنه من المهم توضيح أن تلك اللائحة، أو المسودة، أو المشروع، أو أياً كانت، لا تمت بأى بصلة إلى المنطق أو الرشد، وأنها تمثل عدواناً سافراً على الصحافة والمجتمع والدولة والدستور والقانون، وحسناً فعل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عندما تنصل منها، وحسناً سيفعل عندما يبتعد عن إصدار لائحة مشابهة لها أو قريبة منها من قريب أو بعيد.
3- الخطاب الدينى
لا نكاد نغلق هذا الباب حتى يتم فتحه من جديد. لا يمر شهر واحد على مصر من دون فعاليات أو أحاديث أو تباينات أو صدامات حول دور الخطاب الدينى السائد فى دعم الإرهاب والتطرف، وتشويه صورة المسلمين والإسلام من جهة، وضرورة تغييره أو تجديده من جهة أخرى.
لا بأس أبداً من أن نطرح هذا السؤال: هل يمكن القول إن الخطاب الدينى السائد يمكن أن يشجع على التطرف والإرهاب والإساءة لصورة الإسلام والمسلمين؟
والإجابة بكل تأكيد: نعم.
وثمة سؤال آخر: لو أصلحنا هذا الخطاب تماماً، وجددناه تجديداً، فهل ينتهى التطرف والإرهاب والإساءة لصورة الإسلام والمسلمين تماماً؟
والإجابة بكل تأكيد: لا.
أما السؤال الذى يجب أن نطرحه لكى نفهم تلك القضية فهماً سليماً، فيمكن أن يكون كما يلى: ما مساحة دور الدين (أى دين)، وأنساق القيم عموماً، والفهم، والتأويل، والخطاب الدينى، فى بناء الدوافع التى تؤدى إلى التطرف أو الإرهاب، مقارنة بمعطيات مجتمعية أخرى مثل التعليم، والكفاية، والحكم الرشيد، وكفاءة المنظومة الأمنية، والعلاقات الدولية والإقليمية؟
لقد شن «نيكولاس كروز»، البالغ من العمر 19 عاماً، هجوماً إرهابياً على زملائه فى مدرسة ثانوية فى فلوريدا، فى شهر فبراير الماضى، فقتل 17 منهم، وهو لم يقرأ أبداً فى كتب التراث الإسلامية، ولم يستمع إلى أحاديث ضعيفة الإسناد، ولم يحضر دروس قادة دينيين سلفيين و«دواعش».
وفى شهر يوليو الماضى، تم إعدام «شوكو أساهارا» زعيم طائفة «أوم» فى اليابان، لأنه شن هجوماً إرهابياً بغاز السارين على مواطنين يابانيين، فقتل 13 منهم، وأصاب الآلاف، رغم أنه لم يقرأ كتاباً واحداً لمنظرى الفتنة والعنف من المتأسلمين.
يمكن ضرب عشرات الأمثلة التى توضح أن الخطاب الدينى المروج للعنف والمحرض عليه موجود عبر مئات السنين، لكنه لا يكتسب أهمية أو فعالية إلا عندما تتوافر شروط مجتمعية وأمنية وسياسية أخرى، وهو أمر يحدث فى كل المجتمعات.
تنقية الخطاب الدينى، وتطويره، وإصلاحه عمل جيد، لكنه سيكون من المحبط جداً أن يتم كل هذا ثم تقع الحوادث الإرهابية، لأنها ببساطة ستظل تقع طالما وجدت أسباباً موضوعية لذلك، وهو أمر يحدث فى الولايات المتحدة، واليابان، ودول أخرى كثيرة.