على مذبح السياسة والهوى تراق دماء الحقيقة، ولعل الجدل الذى أثير حول قضية تجديد الخطاب الدينى مؤخراً أكبر مثال على هذا، ذلك أن الأزمة أريقت فيها عدة حقائق على مذابح الانتهازية والكيد السياسى، فى حين تكفل عدم الوعى الكافى بالبقية، ويمكننى أن أجمل ما أريق من حقائق على النحو التالى:
أولاً: مطلب إصلاح الخطاب الدينى ليس مطلباً شخصياً للرئيس السيسى، وإنما هو مطلب مطروح على الأمة فى فترات مختلفة، ولعل العمر الحديث لطرحه يتجاوز مائة وعشرين عاماً تقريباً.
ثانياً: من نافلة القول إن إصلاح الخطاب الدينى أمر مختلف تماماً عما سُمى (إنكار) السنة النبوية، حيث تعددت اجتهادات المطالبين بالإصلاح فى اتجاهات مختلفة، لم يكن من بينها إنكار السنة، كما ذهب الإمام الأكبر فى فهمه.
ثالثاً: إن مطلب الإصلاح الدينى لم يكن أبداً مقصوراً على دعاة الدولة المدنية، ولكنه امتد ليشمل أنصار إحياء المشروع الإسلامى، وعلى رأسهم الداعية الراحل محمد الغزالى وهو رجل تدين له جماعة الإخوان المسلمين بفضل كبير فى إحيائها الثانى، فضلاً عن أنه ابن من أبناء الجماعة.
رابعاً: امتدت مطالب الإصلاح لتشمل أبناء المؤسسة الأزهرية من العلماء، ولعل أبرز مثلين هنا هما الإمام محمد عبده، والعالم المجتهد عبدالمتعال الصعيدى، الذى امتلك مشروعاً متكاملاً للتجديد.
خامساً: يتسم موقف جماعة الإخوان الإرهابية من قضية التجديد فى السنة تحديداً بالانتهازية الشديدة، فهى تؤيده إذا طرحه عالم محسوب عليها، مثل الغزالى، وتتصدى له وتشوّهه وتشهّر به عندما يتبناه الرئيس السيسى كمسلم، رغم أن الحق أحق أن يُتبع، لكنه الكبر والانتهازية.
سادساً: يقال إنه لا يوجد إصلاح دينى قبل أن تسود الديمقراطية، وهذا حق يُراد به باطل، فقد بدأ الإصلاح الدينى فى أوروبا ١٥١٧م، ولم تكن قد عُرفت الديمقراطية بعد، والحق أنه لا ديمقراطية دون إصلاح دينى ينير عقول الناس، ويجعلهم محصّنين ضد تجار الأديان والمتحدثين باسم السماء، ولعل من يروجون هذه الأكاذيب يعرفون ذلك، لكنه الكيد والانتهازية.
سابعاً: المعرفة هى طريق التنوير، وأنه لا بديل عن أن يعرف المسلم العادى الكثير من الحقائق عن إسهامات البشر العاديين فى صياغة الفقه، وعن الظروف السياسية التى كتبت فيها الأحاديث، والسير النبوية، وعلوم الفقه، وهى كلها مساهمات بشرية ظهرت بعد وفاة الرسول (ص) بمائتى عام على الأقل، وقد تناولتها كتابات مختلفة لمفكرين مصريين محاولة كسر الحجاب المفروض حولها، ولعله آن الأوان لأن يعرف الناس حقائق تاريخهم حتى لا يخدعهم أحد، أو يدلس عليهم أحد.