منذ توقيع اتفاقية السلام وإسرائيل شغلها الشاغل هو عملية التطبيع الذى اعتبرته قضيتها الملحة مع مصر والأكثر من ذلك أنها جعلت هذا المصطلح يتقاسم الأهمية مع قضية طابا وهما المشكلتان اللتان بدأت بهما مع عهد مبارك فى لعبة «رِسْت» سياسية تعامل معهما النظام وقتذاك قبل إعلانه جمهوريته الثالثة، ومع أن الشائع أن رفض التطبيع كان شعبياً فقط فإن التاريخ يقول إن الإدارة المصرية قيادة وحكومة هى الأخرى كانت رافضة وعبرت عن ذلك فى أن موقفها الرسمى من عملية تطبيع العلاقات واضح ويتلخص فى أن معاهدة السلام مع إسرائيل هى أمر واقع تقبله الحكومة المصرية وتحترمه وتتوقع من إسرائيل أيضاً مثل هذا الاحترام، اما بالنسبة للاتفاقيات الثنائية بين البلدين فقد اختلفت نظرة كل منهما لها، فمصر ترى أن تلك الاتفاقيات تنظم العلاقات بين البلدين عندما تكون هناك فائدة متبادلة للطرفين فى مجالات معينة كالزراعة والسياحة والتجارة، ولكن هذا لا يعنى إجبار أحد الطرفين على إعطاء مزايا للآخر أو لإقامة علاقات خاصة أو متميزة، بل تكون هناك علاقات مماثلة مثلما يحدث مع كل دول العالم يكون أساسها الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة، وعليه فإن مصر لا تحبذ استخدام لفظ تطبيع لأن هناك بالفعل علاقات مع إسرائيل مثل أى دولة فى العالم فما معنى إقحام هذا المعنى المستفز للإدارة المصرية والشعب معاً، وكان محصلة ذلك هو تراجع عملية التطبيع كثيراً إلى الوراء، وعليه ردت إسرائيل على هذا الرفض بكثرة الاحتجاجات بمناسبة ومن غير مناسبة، وهو ما رفضه الجانب المصرى لأنها تعد من قبيل التدخل المرفوض فى شئون مصر الداخلية، ومن الأمثلة على ذلك:
- رفض القيادة المصرية اقتراحاً إسرائيلياً فى مارس ٨٧ بتبادل رسائل التهنئة بين الرئيس مبارك وإسحق شامير بمناسبة مرور ثمانى سنوات على معاهدة السلام ٧٩ (ملحوظة: هذا قام به الرئيس الإخوانى مرسى الذى ذَيَّل رسالته لرئيس وزراء إسرائيل بالصديق العزيز).
- تأجيل زيارة إسحق شامير لمصر وكان مقرراً لها أول يونيو ٨٧، عندما أبلغتهم الحكومة المصرية أن الظروف الداخلية غير مواتية لمثل هذه الزيارة.
- رفض مصر لطلب أمريكى إسرائيلى بعقد اتفاقية أمنية مشتركة يتم بمقتضاها تبادل تسليم المجرمين والخبرات والمعلومات الأمنية بين الدول الثلاث.
- عدم تجاوب مصر مع عرض إسرائيلى بالاشتراك فى بعض المشروعات المصرية المدرجة فى الخطة الخمسية الثانية.
- عدم تجاوب مصر مع اقتراح للرئيس الرومانى وقتذاك تشاوشيسكو بعقد لقاء قمة مع شامير فى العاصمة الرومانية بوخارست.
وعليه أعلن الرئيس مبارك فى سبتمبر ٨٧ أن لقاءه مع شامير سوف يتحدد فى ضوء تغيير شامير لموقفه الرافض لفكرة مؤتمر دولى للسلام، من ناحية أخرى حاولت إسرائيل نسف التغيرات الإيجابية التى حدثت فى علاقات مصر عربياً، والتى كانت بارزة فى الشهور الأخيرة من عام ٨٧ وذلك بتوجيه الدعوة ثلاث مرات رسمياً للمشير عبدالحليم أبوغزالة، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقتئذ، لزيارة إسرائيل وبحث التعاون العسكرى بين البلدين، وكان الرفض الصريح هو الرد الوحيد على مثل هذه الدعوات التى نشرها الإعلام الإسرائيلى مرات عديدة ليحدث عدم ثقة عربياً تجاه مصر مع علمه بأن طلبه سوف ينال الرفض الحتمى وأخذت تل أبيب تكرر محاولاتها التطبيعية المرفوضة من الدولة المصرية سياسياً وشعبوياً إذ تمادت فى أوائل ديسمبر ٨٧ بأن تطلب من الحكومة المصرية بأن تقوم بالضغط على المنظمات العمالية والنقابية لتطبيع علاقاتها مع الهيئات الإسرائيلية المناظرة لها، وهنا ردت الحكومة المصرية بشكل قاطع بأنها لا تتدخل فى تحديد سياسة تلك المنظمات الشعبية.
ومع كل ما سبق بشأن التطبيع فإن إصرار إسرائيل عليه جعلها تعتبره شرطاً فى قضية طابا وقالت لمصر إنها تقبل الحل بواسطة التحكيم بشرط حلحلة المطالب السياسية الخاصة بالعلاقات الثنائية، عند ذلك ردت مصر دبلوماسياً على هذه المطالب بشكل قضت به على أحلام التطبيع الإسرائيلى فقالت: تعتبر مصر أن إعلان الحكومة الإسرائيلية قبول التحكيم خطوة إيجابية لحسم الخلاف، وهذا يعنى التزامها بمعاهدة السلام، إلا أن إسرائيل لم تقدم تنازلاً يمكن معه طلب تنازلات مقابلة، وأن موضوع التحكيم بشأن طابا يجب أن يظل موضوعاً مستقلاً قائماً بذاته، وألا يكون فرصة لابتزاز مصر والحصول على تنازلات سياسية تحد من قدرة السياسة المصرية للتحرك على المستويين العربى والدولى، وأن عملية الربط إخلال بواجب تنفيذ الالتزام بحسن النية (انتهى كلام مصر).