(1) فى أحد مواسم الدورى العام لكرة القدم، كنت واحداً من عشرات الآلاف الذين يشاهدون مباراة الاتحاد السكندرى، ونادى إسكو فى الأسبوع الأخير من الدور الأول، وكان الاتحاد فى ذلك الحين لا يملك فى رصيده سوى ثلاث نقاط جمعها فى عشر مباريات ويحتل بها المركز الأخير فى جدول أندية الدورى الممتاز البالغ عددها آنذاك اثنى عشر فريقاً.
كنا جميعاً بطبيعة الحال نشعر بالحزن والقرف من الهزائم المتوالية التى ضربت الفريق بقسوة رغم وجود نجوم كثيرين، مثل شحتة والجارم والبابلى وعرابى وبوبو (إلخ) بين صفوفه. ولكننا ظللنا ندعم الفريق فى المباريات التى يخوضها داخل وخارج الإسكندرية، ونذهب كل ثلاثاء إلى ملعبى الشاطبى لمشاهدة التدريب الرئيسى للفريق، ونسخر بالطبع من الهزائم ونتوقع هبوط الفريق مع استمرارنا فى الولاء الوجدانى الكامل لهذا الفريق، وحين بدأت مباراة إسكو حاول أحد المشاهدين توجيه بعض الشتائم للاعبين، فهاج ضده مشجعون آخرون وقال له أحدهم: «سيبهم يلعبوا بدل ما نجرى وراهم فى الفلاحين لما ينزلوا درجة تانية»! وبعد دقائق قليلة كانت كل المدرجات تهتف للفريق: «فوق تحت.. برضه الاتحاد» وانتقلت عدوى هذا الحب الجارف إلى اللاعبين، فنفخ الله فى صورهم وتمكنوا من الفوز بثلاثة أهداف. وفى الدور الثانى من الموسم المذكور لم يخسر فريق الاتحاد مباراة واحدة، وحقق الفوز فى كل المباريات داخل وخارج الإسكندرية باستثناء تعادلين أحدهما مع الأهلى، والثانى مع الزمالك، وحصل على نقاط فى الدور الثانى تفوق ما حصل عليه بطل الدورى فى هذا الدور!
(2) رغم لقب «السبرتو»، الذى يشتهر به جمهور الاتحاد السكندرى داخل وخارج الإسكندرية نظراً للعدد الضخم من إخواننا الصيع والبلطجية الذين يتفانون ويتفننون فى تشجيع هذا النادى فى كل اللعبات، وليس كرة القدم وحدها، فإن هذا الجمهور أكثر وعياً وموضوعية من جماهير الأندية الكبرى، مثل الأهلى والزمالك وغيرهما. فى أحد المواسم كان الاتحاد يلعب مباراة ضد فريق كفر الشيخ فى دورى المجموعات، والمباراة فى استاد الإسكندرية والاتحاد كالعادة فى مؤخرة الجدول، والنتيجة قرب نهاية المباراة هى التعادل بدون أهداف واحتسب الحكم هدفاً للاتحاد من تسلل واضح للغاية، واشتعلت المدرجات بالهتاف ضد الحكم رغم أن كل المشاهدين من مشجعى الاتحاد ولكنهم فى غرابة شديدة انطلقوا فى هتاف موحد «كوسة كوسة» ضد حكم احتسب هدفاً لصالحهم.
وفى مباراة أخرى لقى الاتحاد هزيمة بخمسة أهداف نظيفة على ملعبه أمام الإسماعيلى فى أحد المواسم، وأصرت الجماهير بعد المباراة على تحية فريق الإسماعيلى كل لاعب باسمه، ورافقهم بعض مشجعى الاتحاد بالسيارات حتى بوابة الطريق الصحراوى إعجاباً وتقديراً للعرض الذى قدمه الفريق، وحقق به فوزاً ساحقاً على الفريق السكندرى صاحب الملعب والجمهور!
وذات يوم كنت متجهاً لمحطة القطار نحو الساعة الرابعة فجراً فى طريقى إلى الزقازيق، وفوجئت بعدد من جماهير الاتحاد بأعلامها الخضراء تستقل قطار بورسعيد دون أن تكون هناك منافسات كروية من أى نوع فى ذلك اليوم، وسألت أحدهم، فقال إن الاتحاد سوف يلعب مباراة ودية مع فريق «نبروه» بمناسبة اعتزال أحد لاعبى هذا الفريق، ولهذا اتجه المشجعون إلى قطار بورسعيد بحيث يصل بهم إلى طنطا، ثم يستقلون مواصلات أخرى حتى نبروه لتشجيع الاتحاد فى المباراة الودية!!
(3) فى مباراة الاتحاد والزمالك يوم الجمعة الماضى فى البطولة العربية التى انضم لها الاتحاد من باب جبر الخواطر، ثم تمكن رغم ذلك من التفوق على الترجى بطل تونس وبطل النسخة السابقة من هذه البطولة، احتشدت جماهير الاتحاد فى ملعب المباراة رغم أن التأهل شبه محسوم للزمالك، ورفعت هذه الجماهير العظيمة لافتة بليغة للغاية يقولون فيها «مش مهم كام بطولة.. إحنا معاكم من الطفولة».. يعنى الحب والدعم ليس بالضرورة لنادى القرن أو نادى البطولات أو نادى النفخة الكدابة أو الصادقة، ولكننا بالفعل نحب نادى الاتحاد لأنه رمز للإسكندرية، ولأنه غلبان مثلنا، ولأنه لا يتيه فخراً وغروراً على الآخرين.
طبيعى أن يلقى الاتحاد هزائم فيما تبقى من مباريات الدورى والكأس، وطبيعى أن يخرج من منافسات البطولة العربية فى الدور القادم، ولكن أحداً من جماهير الإسكندرية لا ينتظر من الفريق أكثر من أداء الواجب والاستمرار فى المنافسات حتى لو لم يحصل على أية بطولة إلى يوم القيامة.
(4) هذا النوع من الحب الاتحاداوى الأخضر تجده على مستويات كثيرة بعيداً عن كرة القدم، فقراء لا يملكون شيئاً يحبون الله ويعبدونه بإخلاص شديد بعيداً عن الطمع فى الجنة أو الخوف من عذاب جهنم، مواطنون يتفانون فى حب هذا البلد رغم ما يعانيه كل منهم من الظلم والقهر وقرف الحياة اليومية وآلام الحياة فى العالم الثالث، امرأة قريبة الشبه من الفنان محسن سرحان يقع فى غرامها رئيس أقوى دولة فى العالم، ثم يتزوجها بعده ملياردير كان فى ذلك الوقت أغنى شخص فى العالم، أمير بريطانى يتخلى عن المجد الملكى ليتزوج من فتاة عديمة الحيثية، وأمير آخر يترك زوجة فاتنة كالأميرة ديانا، ويتزوج امرأة تشبه الفنان سيد الملاح (إلخ إلخ إلخ).
(5) هذا المقال ليس احتفالاً بفوز الاتحاد على الزمالك، ولكنه نصيحة لإخواننا الأهلوية الذين أصابهم الاكتئاب الشديد بسبب هزيمة الأهلى فى بعض المباريات، بينما نحن فى الإسكندرية وغيرنا من الإسماعيلية وبورسعيد وفى شتى بلدان العالم ندعم من نحبهم ونحب من ندعمهم دون أن نطالبهم بالتفوق الإجبارى على كل خلق الله! وكلنا نتمنى أن يعود النادى الأهلى للانتصارات والبطولات لأنه أحد أهم عناصر الحياة فى هذا البلد، ولكننا نأمل فقط أن يتحلى مشجعوه بشىء من الصبر والموضوعية والتواضع وحسن الخلق، ويتنازلوا عن بعض الشعارات الحمقاء مثل «الأهلى فوق الجميع»، و«نادى القرن» وغيرهما.