استشهدت فى مقالى السابق «التنوير هو الحل»، برأى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر حول النقاب، وأنه ليس فرضاً أو سنة، لتأكيد رأى الدكتور سعد الهلالى الذى وصفته بالمختلف عليه، متصوراً أن الأزهر وشيخه بمكانتهما الرفيعة أكبر من الاختلاف عليهما، وبمتابعة التعليقات حول المقال اكتشفت خطأ تقديرى، بعدما أشار الكثيرون إلى حجم الاختلاف الكبير على الشيخ الطيب وآرائه، والمفارقة أن دعاة التنوير يرونه عائقاً أمام تجديد أو تغيير الخطاب الدينى، فيما يراه المتشددون متساهلاً بأكثر من اللازم، خاصة عندما يتحدث عن «وسطية الأزهر».
المشكلة التى أرى الشيخ الطيب يقف على عتباتها دائماً هى «الصمت» فى بعض المواقف، حيث يجب ألا يظل صامتاً، ويبدو أن فضيلته يفضل التأمل -حتى وإن طال- ويتعمق فى البحث قبل أن يخرج أو لا يخرج- على الناس برأى، وأبرز مثال لما أقول، ما حدث مؤخراً، بعد خروج مظاهرة لدعم الشيخ الطيب فى بلدته بالأقصر، فى مواجهة ما أفلحت المنصات الإعلامية لجماعة الإخوان الإرهابية فى تصويره وكأنه هجوم من مؤسسة الرئاسة على الإمام الأكبر، وذلك عقب الاحتفال الرسمى بالمولد النبوى الشريف، وما أعقبه من جدل بعد حديث الإمام عن منكرى السنة النبوية، وتأكيد الرئيس على دعوته بضرورة تجديد الخطاب الدينى.
كنت أنتظر من الدكتور الطيب أن يخرج ببيان عاجل يوضح من خلاله حقيقة الأمور، ويهدئ من روع أبناء بلدته، ويقطع الطريق على محترفى الصيد فى الماء العكر، كنت أنتظر أن يفعلها فضيلته كشخص أو الأزهر كمؤسسة، كما سبق أن فعلتها مؤسسة الرئاسة، بعد أن مازح الرئيس الشيخ بقوله «تعبتنا يا مولانا»، ولكى يوضح أنها ليست معركة شخصية معه قال له لاحقاً «أنا بحبك ولو فاكرين غير كده تبقى مصيبة»، وهو ما استخدمته الجماعة الإرهابية بأن هناك نية للإطاحة بشيخ الأزهر، وهو ما كذبته رئاسة الجمهورية وقتها بأنها لا تخالف الدستور ولا القانون، الدستور الذى أكد فى المادة السابعة أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء»، وقانون إعادة تنظيم الأزهر يشدد على أنه هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى، التى تقوم على حفظ التراث ودراسته وتجليته ونشره وتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وتحقيق التراث الإسلامى ونشره.
المشهد لا علاقة له بقضية الخطاب الدينى وتجديده أو تغييره، وهو مشهد سياسى بامتياز، كان يقتضى من فضيلة الإمام التعامل معة بسرعة، درءاً لفتنة تلوح فى الأفق، وهى لا تخفى على فطنة الحاصل على الدكتوراه من جامعة السربون، ومن مصلحة الأزهر نفسه ألا يبدو وكأنه دولة داخل الدولة، مع التسليم الكامل بمكانته الروحية لدى المسلمين السنة على مستوى العالم.
حقيقة.. «تعبتنا يا مولانا» لكن هذه المرة بصمتك، وخل عنك عبء تجديد الخطاب الدينى، ولا تتحمل عنا ما لا تطيق، وأكرر دعوتى للدولة بكامل مؤسساتها للتصدى لتلك المهمة، فالأزهر لا يريد أن يبدو وكأنه يجدد الخطاب الدينى استجابة لرغبة القيادة السياسية، ويتفادى اتهام الجماعات المتطرفة ومن بينها جماعة الإخوان الإرهابية له بالانصياع للسلطة والانضواء تحت لواء رغباتها.
مشكلة الأزهر التاريخية فى تمسكه بالشكل على حساب المضمون والمعاصرة.