أعترف أننى فشلت فى حصر عدد المؤتمرات الطبية التى حضرتها داخل مصر منذ تخرجى وحتى الآن.. العدد كبير حقاً لدرجة تفوق القدرة على الحصر.. فمن مؤتمرات تحمل صفة الدولية فقط لأنها استضافت طبيباً أو أكثر يحمل جنسية غير المصرية.. للعديد من «لقاءات اليوم الواحد» التى تحمل اسم «مؤتمر» دون وجه حق.. والتى تشرف عليها إحدى شركات الأدوية فى الأغلب.. وتنحصر فى بعض المحاضرات المكررة.. التى يعقبها محاضرة دعائية قصيرة عن أحد الأدوية الخاصة بالشركة المنظمة..!
المشكلة الأكبر أننى فشلت أيضاً فى تذكر فائدة حقيقية واحدة جنيتها من حضور أحد كل تلك المؤتمرات.. اللهم إلا التعرف على زملاء أفاضل.. أو مراجعة بعض المعلومات المعروفة بالفعل.. أو التعرف على أسماء تجارية جديدة لنفس المادة الفعالة للدواء.. ليصبح المؤتمر معرضاً دوائياً فحسب!
لم أتذكر مؤتمراً محلياً واحداً تم فيه الإعلان عن كشف علمى جديد.. أو قرأت فيه بحثاً متفرداً لم أقرأه من قبل.. لم أغير قناعاتى بشأن أمر علمى ما لأننى حضرت نقاشاً علمياً بأحد المؤتمرات!!
الأمر لا يحمل أدنى مبالغة.. فإذا أردنا الصدق مع أنفسنا قبل الآخرين.. فينبغى أن نعترف أن المؤتمرات الطبية فى مصر لا تحمل الحد الأدنى من المعايير التى تجعلها مفيدة للأطباء شباباً أو شيوخاً.. إنها الحقيقة التى يعرفها كل طبيب مصرى.. ولكنه ينكرها بينه وبين نفسه فى حيلة نفسية شهيرة ليحتفظ بالحد الأدنى من القبول للحدث نفسه..! «إنها مفيدة حتماً وإن لم تدرك ذلك فى حينه.. على الأقل فنحن نراجع معلوماتنا الطبية حتى لا يصيب الصدأ عقولنا».. هكذا يحدث الأطباء أنفسهم.. وهو أمر لا يندرج تحت بند الفوائد الحقيقية لأى مؤتمر طبى بمعاييره العالمية المتعارف عليها!!
الطريف أننى تقدمت باقتراح لوزارة الصحة -ولهيئة التدريب الإلزامى على وجه الخصوص- منذ فترة طويلة ولم يجد صدى لدى أحد.. لماذا لا يتم تقييم المحتوى العلمى لأى مؤتمر قبل انعقاده؟.. لماذا لا يتم تشكيل لجنة من كبار أساتذة التخصص لتقييم المؤتمرات واللقاءات العلمية التى تنظمها كل الهيئات والمستشفيات.. ويتم حساب الوزن العلمى لكل منهم بنظام الساعات المعتمدة credit hours كما هو متبع فى العالم كله.. على أن يتم إلزام كل طبيب بعدد من الساعات التى ينبغى عليه حضورها.. ويتم ربطها بتجديد تصريح مزاولة المهنة له سنوياً.. حتى شركات الأدوية التى ترغب فى عقد ندوات دعائية.. يمكن أن يتم إلزامها بالتقدم للهيئة بطلب التنظيم والمحتوى العلمى.. على أن يتم تسديد مبلغ محدد للهيئة نظير عقد الندوة.. الاقتراح سيحد كثيراً من فوضى المؤتمرات العلمية التى تعقد كل لحظة على أرض الوطن دون فائدة حقيقية.. وسيجبر الأطباء على حضور عدد من المؤتمرات التى ستصبح مفيدة حقاً لهم.. بل وسيخلق أجندة علمية محترمة لكل تخصص تحمل عدد المؤتمرات «المعتمدة» من قبل الهيئة كل عام.. التى يمكن للأطباء الاختيار من بينها للحصول على ساعاتهم المعتمدة المطلوبة كل عام..!
بقى أن أقول إن الاقتراح ليس جديداً من نوعه.. فعلى حسب معلوماتى هو إجراء متبع فى معظم دول العالم التى تمتلك حداً أدنى من الرعاية الصحية السليمة.. ولكننا نفترض أننا نخترع العجلة فى كل مرة لسبب لا أعرفه!!
الأمر يحتاج أن يتم النظر إليه بعين الاهتمام.. فهو سبيل جيد للارتقاء بالبحث العلمى والرعاية الصحية فى وقت واحد.. ودون تكلفة تذكر.. فهل من مجيب؟!