لا يمكننا أن ننهى العقد الأول من عهد الرئيس مبارك دون أن نتطرق لحدث مهم كان ذا حيثية على وزارتَى الدفاع والداخلية، أحداث الأمن المركزى فى فبراير ٨٦، ويطلق عليها أيضاً «انتفاضة الأمن المركزى»، ولا يجوز إبعاد أيادى جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية عنها، خاصة أن وزير الداخلية آنذاك كان اللواء أحمد رشدى الذى اتهمته الجماعة المحظورة بتعذيبهم فى الستينات عندما كان برتبة رائد فى سجون الداخلية التى كانوا بها، وقد أفردت له زينب الغزالى الكثير من الأحداث المرتبطة بتعذيبها فى مذكراتها زوراً وبهتاناً كونه كان شديد الحرص فى الحد من تصرفاتها العنيفة ضد المجتمع والتى كانت توجه بها رسائل عبر زائريها من السجن.. وكان لتحرك الآلاف من جنود الأمن المركزى فى مناطق بعينها هى مناطق نفوذ الجماعات السابق ذكرها، وقد بدأ الحدث فى ٢٥ فبراير عندما وردت أخبار كاذبة للجنود الذين لم يبقَ على انتهاء خدمتهم سوى شهر واحد بأن هناك اتجاهاً غير معلن باستمرار تجنيدهم الإجبارى لـ٤ أو ٥ سنوات وليس ثلاثاً كما هو معروف، علاوة على سوء أوضاعهم والمكافآت الهزيلة التى كانوا يتقاضونها فى أثناء الخدمة ونهايتها، وعندما سمع الجنود هذا وبتحريض من عناصر مندسة تم تجنيدها من الإخوان، خرج الجنود من عدة معسكرات أولها على طريق (القاهرة- الفيوم) والثانى (القاهرة- إسكندرية الصحراوى) والثالث (الإسماعيلية) والرابع (سوهاج) والخامس (أسيوط)، وقد ظلت الأحداث محصورة داخل هذه المحافظات فقط وتم السيطرة عليها بواسطة الجيش الذى استطاع أن يحاصرهم وينزع أسلحتهم بسهولة، وكان الاستثناء الوحيد فى أسيوط حيث كانت الأحداث أشد عنفاً وكان المحافظ وقتذاك زكى بدر الذى فتح هويس القناطر فى أسيوط للحيلولة دون وصول الجنود من معسكرهم فى البر الشرقى الذى أحرقوه وخرجوا منه وكانوا يريدون تكرار أحداث عام ٨١ عندما استطاعت الجماعة الإسلامية المسلحة الاستيلاء على القسم والسيطرة على المدينة، ولكن تم حسم الأمر وتحجيم الجماعة حتى لا يستغلوا الموقف مرة ثانية، وكان لتحليق الطائرات العسكرية كبير الأثر لردع الشغب وتم حظر تجوال بعد انتشار قوات الجيش فى الشوارع، وبعد استقرار الأوضاع التى استمرت قرابة الأسبوع تم بعدها إقالة وزير الداخلية أحمد رشدى وعزل العديد من القيادات الأمنية واتخذت قرارات لتحسين أحوال الجنود والحد من أعدادهم ونقل معسكراتهم خارج نطاق الكتلة السكنية، كما اتخذت قرارات بتحديد اتجاهات نوعية الجنود الذين يلتحقون بالأمن المركزى مستقبلاً.. ويحضرنى أنه فى لقاءات لى مع المشير أبوغزالة سألته مرة: «هل كنت تريد أن تحكم مصر؟»، فقال لى: «لو كنت أريد هذا فقد كانت أمامى فرص سانحة كثيرة ساقها لى القدر وأهمها أحداث الأمن المركزى ٨٦ ولكنى لم أفعل حتى لا يُفعل بى نفس الشىء». ولقد ذكر د.كمال الجنزورى دليلاً على إجابة المشير أبوغزالة لى، فقال فى مذكراته عن هذا الحدث: «كنت أجلس فى الحزب الوطنى مع يوسف والى وكانت الساعة نحو السادسة مساءً وكنت وقتها وزيراً للتخطيط، عندما علمنا من عبدالحميد حسن محافظ الجيزة حينذاك أن جنود الأمن المركزى بدأوا يخرجون إلى الطريق الصحراوى، ومعنى هذا أنهم ربما يتوجهون إلى شارع الهرم، على الفور طلبت من د.والى أن يطلب الرئيس مبارك لأن الأمر فى غاية الخطورة ولا يمكن الانتظار، فتردد، فقلت له اطلب المشير أبوغزالة وأخبره بالأمر فالوضع خطير -فهذا ليس إضراباً من مواطنين لكنه من صفوف الأمن الذى من المفروض أن يواجه مثل هذه الأمور الخارجة على القانون ولا يكون هو الفاعل، وصلنا إلى نحو الساعة السابعة وتم الاتصال فعلاً بالمشير ولم أحاول أن أتدخل رغم أننى على علاقة جيدة بالمشير ولكن تركت الأمر لممثل الشارع وهو الحزب، وأن القوات المسلحة حريصة دائماً على أمن الوطن، بعد نصف الساعة بدأ القلق فى نفسى بعد أن توارد من أطراف عدة أن جنود الأمن المركزى تحركوا بالفعل وقطعوا الطريق الصحراوى ما يزيد على نحو الكيلومتر، وطلبت المشير وقلت له إننى أتابع مع والى، وبعد دقائق طلبته ثانية فقال لى إن الرئيس متردد لنزول الجيش، ولكننى استحلفت المشير بالوطن الذى نعلم جميعاً حبه له وكررت طلبى له بنزول الجيش وحماية الوطن، وأخيراً قال لى لا تخشَ شيئاً فقد أصدرت أوامرى لتحرك قوات الجيش إلى الطريق الصحراوى لتوقف أى تحرك لجنود الأمن المركزى من دخول منطقة الجيزة، وفعلاً حدث هذا وبعد نصف ساعة أعلن رسمياً نزول الجيش الذى كان نزل بالفعل من قبل».. ويكمل «الجنزورى» شيئاً آخر لا بد أن أذكره عن المشير أبوغزالة.
(يتبع).