أثناء وجودى مع عدد من الواعظات بالأوقاف وراهبات الكنائس بالكنيسة المعلقة فى منطقة مجمع الأديان، استوقفنى أحد المرشدين السياحيين، المصاحب لفوج سياحى، مرحباً بى، وطلب منى توصيل صوته وصوت زملائه من المرشدين والعاملين فى مجال السياحة لكل مسئول فى مصر، وعلى رأسهم رئيس الدولة، لما يعانونه من حرج شديد من تعليقات السائحين المرافقين لهم على مشاهد القمامة المتكدسة فى مناطق الهرم وترعة المريوطية وترعة المنصورية، مؤكداً لى أن السائحين لا يصدقون أن دولة تمتلك تلك المنطقة الأثرية الفريدة فى العالم تتركها نهباً للقمامة والعشوائية التى تلتقطها عيونهم أثناء اتجاههم إلى منطقة الهرم وأبوالهول.. أحد أهم عجائب الدنيا السبع!
وعدته بنقل صوته الذى كان يمتلئ مرارة وغيرة على بلاده من انتقاد لا يستطيع الرد عليه، لأن الواقع يمتلئ بصورة كريهة الملمح والرائحة. ثم فوجئت بتلك الرسالة المرسلة لى على «الفيس بوك» من المرشدة السياحية هدى راضى، أنقلها لكم نصاً:
سيدى الرئيس: أدعوك، كمرشدة سياحية، لقضاء يوم مع الأجانب، ضيوف البلد الذى ترأسه سيادتكم. أدعوك لزيارة آثار ميت رهينة وسقارة، ولتسمع معنا تعليقاتهم المهذبة أحياناً والفجة أحياناً، وتتألم وتخجل مثلنا وهم يسألونك عن أطنان القمامة فى الترع والحشرات والأمراض والشوارع «المدغدغة» الضيقة القذرة، وهو أول ما يشاهدونه فى برنامجهم فى مصرنا العظيمة. أخجل وأشعر بالوجع أن يرى السائح المقبل من كل أنحاء المعمورة «النظيفة طبعاً» كل هذا الكمّ من الزبالة. ترعة المريوطية عبارة عن مقلب زبالة كبير، وهى على بُعد أمتار من أعظم آثار الدنيا... الأهرامات!
سيدى الرئيس: أخبرنى كيف أستطيع إقناع السائح أن فى بلدى تنمية ونهضة ومشاريع عملاقة وشبكة طرق وكبارى ومحطات كهرباء وعاصمة إدارية؟! كيف أقنعه أننا شعب متحضر نستحق الاحترام ونستحق وجود تلك الآثار العظيمة على أرضنا؟! سيدى الرئيس: أنا على يقين أنه لو تنامى إلى علمك ما أكتبه سيكون لك فوراً ردة فعل قوية لصالح مصر التى أدرك حبك لها وسعيك لرفعتها. أرجو أن يصلك صوتى، وأن تُجنبنا الخجل والإهانة، وأن ترفع عنا وعن مصر الحرج.. وشكراً.
هكذا عبّرت المرشدة السياحية عن أزمة حقيقية تتنافى وما تسعى له بلادى من زيادة معدلات السياحة فيها، وتقديم صورة حضارية لها بين زائريها. أدرك ثقافة البشر التى أدمنت القُبح واعتادت عليه للأسف، وسلوكياتهم التى تُتقن الشكوى من دون فعل. ولكننى أدرك، فى ذات الوقت، أننا على أعتاب افتتاح أكبر مشروع أثرى فى العالم فى تلك المنطقة، وهو المتحف المصرى الكبير، خلال شهور. ولذا دعونا نوجه رسالتنا إلى رئاسة الوزراء ووزراء السياحة والآثار والبيئة والحكم المحلى والثقافة. فنحن لسنا بحاجة فقط إلى وضع تصور شامل لتلك المنطقة يضمن لها النظافة والتجميل والرقى، بما يتناسب مع إرث الأجداد الذين لا بد وأن نشعر بالخزى أمام فعلهم وفعلنا، ولكننا بحاجة إلى توعية وحماية للبشر من سكان المنطقة التى شاءت الأقدار أن يتغولوا فيها على حرم الأثر. فإن كان فى تعدِّيهم قدَراً لن نستطيع الفكاك منه، فلنطورهم ونطور منطقتهم ونفرض عليهم عقوبات بقانون تجرّم وتقطع يد كل من تسول له نفسه تشويه بلادنا، ليتعلموا قيمة الجمال، ويدركوا أثره على حياتهم، ويدمنوا نظافة المسلك والشارع. رسالة أضم صوتى فيها لكل العاملين فى السياحة، رافضة أن يرى أى زائر بلادى بما لا يناسب قدرها وقدرنا، فهل من مجيب لتلك الصرخة؟