"الأزهر" يفسر آية "غير المغضوب عليهم ولا الضالين"
مشيخة الأزهر - أرشيفية
بدأت مشيخة الأزهر وقيادات أزهرية، سلسلة لتصحيح المفاهيم ونشر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تقريرًا أوضح خلاله أن مصطلح "الضالين" الوارد في سورة الفاتحة غير مختص بفئة معينة من أهل الكتاب.
وأكد "المرصد" أن وصف الضلال يطلق على من لا يهتدي إلى الحق سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، فلا يختص بطائفة معينة ، خاصة وأن القرآن الكريم قد تلطف في الخطاب مع أهل الكتاب وأمر ببرهم ومودتهم ، ولا يمكن تصور أن القرآن مع هذا التلطف والرقي في اللغة أن يقصد التشنيع على أهل الكتاب بأوصاف تستفزهم ، قال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ولأن التعايش السلمي بين الأفراد قضية دينية قبل أن تكون وطنية قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
وأضاف المرصد، أن المسلم مأمور بأن يجتهد في الوصول إلى الحق وأن يتجنب كل ما يغضب الله تعالى انسجاما مع الدعاء الوارد في أم الكتاب في قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وهو دعاء يردده ملايين المسلمين في اليوم عشرات المرات ، فهل أثمر هذا الدعاء عدوانا على الغير، أو انتقاصًا من حقوق شركاء الوطن.
كما على المسلم أن يتجنب استفزاز الآخرين لئلا يؤدي ذلك إلى إثارة رد الفعل السيئ، وقد تحرز القرآن من هذا الاتجاه سدا للذرائع ، وغلقا لباب الفتن فقال {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
من ناحية أخرى، أكد الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، في تصريح له أن تفسير ما جاء في سورة الفاتحة عن "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" بأنهم اليهود والنصارى هو اجتهاد في التراث مع أن هناك عشرة أقوال في تفسير الآية وهذه التفسيرات زمنية ينبغي أن نتجاوزها خاصة وأننا نخاطب العالمين، وعلينا أن نُعلّم الناس الأمر الصحيح.
وأضاف، أن موارد استعمال هذا المصطلح في القرآن الكريم . قد ورد استعمال مصطلح (الضلال) وما يشتق منه في كثير من المواضع، ومنها : قوله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}، قال تعالى {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}، وقال تعالى {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ }، وجاء قوله تبارك وتعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، والمعنى : أن الله تعالى أرشد المسلمين إلى طلب الهداية التي وُفق إليها الصالحون ، وحرم من الوصول إليها (المغضوب عليهم) وهم الذين رفضوا الحق بعد الوصول إليه جحودا وإنكارا، و(الضالون) وهم الذين لم يتوصلوا إلى الحق بغير قصد منهم. وعليه فإن كل من أخطأ في الوصول إلى الحق فإنه ضال حتى وإن كان مسلما، قال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}، وأن الأقوال والأفعال الساترة للحق كالكذب، والخيانة، والظلم والإشراك بالله تعالى من الضلال والكاشف لذلك هو السياق القرآني لمصطلح الضلال.