ويكمل د.كمال الجنزورى شهادته فى أحداث الأمن المركزى عام ٨٦ فيما يخص المشير أبوغزالة فيقول: شىء آخر لا بد أن أذكره عن هذا الرجل المشير أبوغزالة، مضى اليوم التالى وهو ٢٧ فبراير ٨٦، كانت الأمور قد استقرت فى الشارع والقوات سيطرت تماماً على الموقف وكنا مجموعة قليلة مع المشير فى مقر القيادة، ورغم أننى لست عسكرياً ولكن قربى من المشير سمح لى بزيارته فى ذلك اليوم، لم يكن اجتماعاً ولم يكن شيئاً رسمياً ولكن كان لقاءً به قدر من الارتياح يحس به القائد الذى أنقذ البلد وهو أبوغزالة، فى هذا اللقاء قال أحد القادة العسكريين القريب جداً من المشير أبوغزالة «كفاية كده يا سيادة المشير، خلصنا منه بقا (يقصد الرئيس) حتى يستقر البلد»، فرد عليه المشير على الفور وبكل حزم بالحرف الواحد «لا يمكن لى أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت فسيفعل معى فيما بعد».. وانتهى الأمر واستقرت الأمور وعاد الجيش إلى ثكناته ولم يذكر هذا المشير أبوغزالة عند صاحب الأمر، هذا الوفاء وهذا الولاء للوطن والرئيس رغم الحب الذى أظهره الشعب للمشير لقد كان نزول الجيش للشارع سيمفونية جميلة عرف الجيش كيف يعزفها ويتعامل مع الشعب دون قسوة أو عنف فعرف الشعب الجنود والضباط وقائدهم المشير أبوغزالة، ولكن هذا لم يكن فى صالح المشير أبوغزالة لدى صاحب الأمر فخطط لاستبعاده ولكن الأمر طال عليه إلى أن نجح بعد ثلاثة أعوام (انتهى كلام الجنزورى)..
وكما سبق أن ذكرنا أن التخلص من المشير أبوغزالة وهو المحبوب، من الشعب والجيش، لم يكن بالأمر السهل لولا قضية (الكربون) التى أراد (بوش) أن يورطه فيها للتخلص من أكثر وزير دفاع عربى ساعد العراق فى حربها مع إيران، وكانت أمريكا عينها على القضاء على القوة العسكرية لصدام ومن هنا كان واجب التخلص من العامل المساعد الأكبر فى المنطقة العربية مما دعا بوش إلى أن يوعز لمبارك بأن الأمر مع أبوغزالة قد يصل إلى حد محاكمته وليس اتهامه فقط وهو ما وجده مبارك فرصة عمره للتخلص من أبوغزالة وفى الوقت نفسه يتقبل أبوغزالة هذا بصدر رحب فى إطار الحماية له من بطش الأمريكان بعد أن كان المسئول المقرب لأمريكا ودول أوروبا، واستفادت مصر عامة والجيش خاصة من هذه العلاقات، كما سبق ذكره، وفى هذا أيضاً كانت الفرصة الأكبر لمبارك بأن يستبعد أبوغزالة من المنصب الذى يستحقه وكان يتمناه الشعب له وهو (نائب الرئيس) إلا أن مبارك كانت لديه عقدة خاصة فى موضوع هذا المنصب على وجه التحديد، كان يتخذ نفسه مثالاً كنائب للسادات الذى لم ترَ أمريكا وهو حليفها أن التخلص منه ليس مشكلة لأن النائب يعلم الكثير وفى مقدوره استكمال المشوار، خاصة اتفاقية السلام مع إسرائيل، وعندما أفضى مبارك لأبوغزالة بأنه سوف يعينه فى منصب (مساعد لرئيس الجمهورية) حتى تهدأ الأوضاع بالنسبة له مع أمريكا وقتها سيكون هناك تفكير آخر بشأنه، وهذا ما قاله لى أبوغزالة. وكان سر احتفاظ مبارك بالمشير إلى جانبه له عدة أسباب، الأول أن هناك اتفاقيات عسكرية معلقة لا يمكن لأحد إنجازها سوى أبوغزالة وثانياً حتى لا يفكر الجيش فى أنه أطاح برجلهم، خاصة أن مبارك كان قوات جوية واحتكاكه بالأفرع الأخرى وعلى رأسها القوات البرية لم يكن قوياً مثل وزير خارج من وسطهم وهو ما جعل مبارك يؤثِر السلامة مع الجيش واكتفى أن يسرح من أطلق عليهم «مجموعة أبوغزالة»، كان هذا عام ٨٩ ومع ذلك أراد مبارك أن يستفيد من أبوغزالة حتى النفس الأخير بعدما صار مساعداً له حيث نجح المشير المُقال فى التفاوض مع الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران لتخفيض ٥٠٪ من أعباء الديون المصرية العسكرية والمدنية وحصل على موافقة بمساندة الموقف المصرى خلال مفاوضات نادى باريس، وكان قد سبق لعدد من المسئولين المصريين آنذاك أن أجروا مباحثات حول نفس المطالب ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب، كما لعب المشير أيضاً دوراً مهماً فى إقناع عدد من المسئولين الأمريكيين بالوقوف بجانب مصر فى المفاوضات بشأن الديون مع الدول الصناعية التى استهدفت خصم ما بين ٣٠ و٧٠٪ من أعبائها، وحقق نجاحاً فى الحصول على معونات تقدر بنحو ٢٫٤ مليار دولار كتعويض مؤقت عن الأزمة التى أصابت مصر بسبب حرب الخليج، تم كل هذا خلال أقل من شهر فى الوقت الذى عقد فيه مجلس الوزراء حينذاك ٢٦ اجتماعاً مع المسئولين ببعض الدول دون نجاح يذكر مما دعا الدوائر السياسية لتسأل: «ما هو السر؟»، إلا أن هذا كان من أهم أسباب ضرورة الإطاحة بأبوغزالة حتى من منصب الظل وهو (مساعد الرئيس) وفى الوقت نفسه كان مبارك يزداد قوة على الساحتين العربية والعالمية جراء حرب تحرير الكويت التى كان له فيها دوران سياسى وعسكرى، وكانا فى غاية الأهمية.