"يوميات ست بيت قهرا" (2).. ستائر "نيو لوك"
ومع استمرار غياب ماما، وفي ظل الظروف اللي تم وضعي فيها غصبًا واقتدارًا، فكان لابد أن أتكيّف (متفهمونيش غلط)، مع هذا الوضع بسرعة حتى لا ينتهي بي الحال بإحدى المصحات النفسية، اللي طول عمري بأشوفها في الأفلام بس، والفضول دائمًا كان يقتلني لأزور إحداها، الظاهر إن ربنا بيحبني وهيحقق لي أمنيتي أسرع مما أتخيل!
ومع وجود أبي الدائم في منزلنا السعيد؛ نظرًا لخروجه على المعاش، ابتدت مرحلة الفراغ الأبدية الفظيعة والكبت اللي بيحاول دائمًا وأبدًا أن يطلّعها عليّ، فما كان منه إلا إختراع كل ما ينكّد ويعكنن عليّ فراغي الفظيع أيضًا.
جالسة على لاب توبي، العزيز جداً على قلبي مؤخرًا، أجلس على فيس بوكّي اللذيذ أرازي في خلق الله.. ألايك على كومنت هنا وستاتيوز هناك، دخل أبي قائلًا، في تلذذ من يعلم أنه سيقطع عليّ خلوتي المحببة، بدل ما أنتي قاعدة كده لا شُغلة ولا مشغلة، قومي نركب الستائر الجديدة عشان لمّا ماما ترجع تلاقي البيت فيه تطورات!! نظرت إليه في غل: يعني يا بابا حبكت التطورات ده وماما مسافرة!! إستناها يا حبيبي وهي تيجي تطّور بنفسها! رد: قومي فزّي بلاش لكاعة.. يقطع الفيس بوج وسنينه اللي أكل دماغك ده! يا بابا إسمه الفيس بوك، ردد: طب يّلا بدل ما أخبطك بالشاكوش ده في بوكك!
وبدأنا في مرحلة النيولوك العبقرية اللي إخترعها أبي إذ فجأة كده!!، ووقف أبي على السلم وأنا تحته وعقلي كله تخيلات عظيمة شريرة، أفكر يا ترى لو حركت السلم على حين غرة هيحصل إيه مثلا؟، طب لو، وشرد ذهني بعيداً قوي، سمعته يقول: هاتي المسمار!! هاتي الشاكوش!! ناوليني الماسورة!! وفي لحظة شعرت إني الواد بلية!! وتذكرت أن هناك طرفًا آخر في هذا المنزل لم يتم العكننة عليه بأي شكل من الأشكال.. ألا وهو أخي!
بعلو صوت لي صرخت: ما تيجي تساعد بابا بدل ما أنت قاعد كده لا شُغلة ولا مشغلة!! يقطع الفيس بوك وسنينه اللي واكلك دماغك ده! ونظرت إلي أبي في توسل: بابا حبيبي.. إبنك العزيز هيكمل المسيرة من بعدي! أنا ورايا غسيل!! ردد أخي وهو مازال جالسًا مكانه: ما بلاش كده يا فتحية عشان وصلة النت بتطلع من الجهاز عندي! ها! رديت: هي بقت كده يعني!! ماشي يا بني آدمين!. ردد أبي في حسرة: أعمل إيه بس فيكم يا ربي! واحدة كاتعة والثاني دماغ! فينك يا زوجوجتي العزيزة! قالها وتغرغرت عينيه بالدموع واحتبست! ولأن قلبي أبيض ورهيف (مش قوي يعني)، فما كان مني إلا أن قررت إني أكمل المسيرة وأقف وقفة ست بيت! ولمحت أبي يضحك في خبث وجزل فتيقنت أنها كانت حركة من حركاته، لكي يجعلنا نفعل ما يريده بدون تردد (برج الأسد بقى نقول إيه)!
وفي وسط العمل الجماعي المغصوبة عليه، مستمعة لكل كلام التبكيت والتنكيت الموجود داخل قواميس كل الأبهات والأمهات تقريبًا، قرر أبي أنه يتكأ علي لكي ينزل من أعلى السلم، آخذاً بيدي كي لا يقع.. وما كان مني إلا أن مددت يدي لأسنده، ولكن ما حدث كان عكس ما توقعت، فقد زلّت رجل أبي وهو ينزل ووجدته يقع من أعلى السلم وهو يصرخ ويسب ويلعن في الستائر والنيولوك وفيّ وفي أخويا.. وفي البشرية كلها.. وظهرت في عيني البريئة نظرة ممتزجة بالشماتة والخبث والفرح والمسكنة والطيبة والصعبنة، لأول مرة معًا، ولسان حالي يقول وأنا أبتعد: ما قلتلك إستنى ماما تيجي تطور بنفسها مسمعتش الكلام! وكانت أول مرة أشوف فيها شاكوش بيطير كل المسافة ده!! آآآي يا راسي!!.