بدأ العد التنازلى لعام ٢٠١٨ وبعد أيام سيضاف لأعمارنا رقم جديد، وأحلام وآمال وجدول أعمال ومطالب سنلهث ونعدو لنحققها، وأرزاق سندعو الله أن يهبنا إياها وستتغير أرقام ملابس الصغار وأحجام أقدامهم وسنواتهم الدراسية والأرصدة فى البنوك وقيمة المعاشات التى ننتظرها جميعاً بمختلف أعمارنا وقدرتها الشرائية وستعود لنا مناسبات سنوية لا ننساها وتتكرر معنا كلما حملت نتيجة الحائط رقماً جديداً للاحتفال. فبعضها حتمى لا مفر منه للمجاملات والآخر تنتظره قلوبنا وأعيننا وجميع مشاعرنا لأن عودته تثير الشجن. ذكرتنى هذه الأيام بسؤال وجهه لنا أحد أساتذتنا فى عامنا الأول الجامعى حيث طلب منا أن نغمض أعيننا ونحلم ماذا كنا نريد إذا اختلفنا عن وضعنا الحالى وتغيرت حياتنا؟ تذكرت هذا الْيَوْمَ وبحثت داخلى عن المكان والزمان الذى أتمنى لو عشته قبل أن أضيف لعمرى رقماً جديداً وأدخل عاماً جديداً بكل ما يحمل لى من مفاجآت. وللحق أهمس لكم أن كل ما تمنيته هو قرية صغيرة فى قارة جديدة نكتشفها فى نفس اللحظة، وبيت صغير بلا أثاث أو أجهزة منزلية ذكية كما لو كانت إنساناً آلياً يقوم بكل الأعمال فيكفى أن يلبى المطالب الضرورية للحياة، وصحبة نقية ذات قلوب ناصعة البياض، وحب لا تغيره الأيام، وطعام يومى غير معبأ ولا يحمل تواريخ صلاحية منتهية، وماء من الآبار بعيداً عن المياه المعدنية والفلاتر خماسية المراحل، وصوت مياه ناعمة جارية لا تتحول أبداً إلى فيضان، وهواء يداعب الوجوه دون قسوة ولا يعرف ما هى الأعاصير والدوامات، وشمس تدفئ بلا قسوة ولا حرارة تحرق الأنفاس قبل الأجساد. تمنيت عالماً بلا رادارت أو طائرات بلا طيار وبلا أقمار صناعية تخدش الحياء وتلتقط للجميع صوراً دون أن يدروا، وبلا أجهزة تدلنا على الطريق وترسم خرائط لبيوتنا وتقيس درجات حرارة أجسادنا وتغوص فى بحارنا بحثاً عن كنوز الأجداد وتحفر فى جبالنا باتفاقيات دولية جائرة وظالمة لتسرق كنوزنا وتبيعها فى المزادات العالمية، تمنيت عالماً بلا حدود مرسومة ولا خطوط عرض وطول ولا جزر تحتاج لمحاكم دولية لتعود لأصحابها وبلا معونات عسكرية وقروض من البنك الدولى وثورات بيضاء وخضراء وصفراء ووقفات احتجاجية ومطالب ثوار وتحولات سياسية وسقوط للحكومات وانتخابات مجلس نواب وقضايا إرهاب وانفجارات ومناظرات حول الوطن والتعليم والمرض والفقر واختلافات حول تلك التعريفات. تمنيت عالماً بلا قواميس عسكرية ولا سياسية ولا أجهزة ترجمة فورية يستخدمها الحضور فى الندوات واللقاءات الدولية فترى وجوهاً بلهاء تضحك أو تتجهم دون أن تعرف أو تسمع أنت سبباً لذلك، تمنيت أن يكون أيضاً بلا مفاوضات أو استجابات لمطالب غير شرعية وإجازات رسمية وجامعات خاصة وأخرى حكومية وإضرابات للعمال وبيع وشراء وارتفاع وانخفاض وانهيار وغابات إسمنتية مهجورة.
تمنيت أن أبتعد عن كل هذا وأغمضت عينى فاكتشفت أنه فى كثير من الأوقات نبحث عن يد حنونة تربت علينا أو حضن دافئ يحتوينا أو قلب رقيق يتسع لحكاوى تؤلمنا أو صوت ناعم يداعب آمالنا بالدعاء المخلص الأمين. ففى أوقات الضعف أو الهزيمة أو الحزن أو الانكسار أو الوحدة والغربة والبعاد والألم اشتياقاً للأحبة والبكاء من قسوة الحنين يفكر كل منا فى داعم وسند له. فعندما تقسو الأيام ويختفى الحب من حياتنا تصبح قلوبنا أشبه بقلب الطائر الصغير الذى يواجه الرياح لأول مرة ويضرب الهواء بجناحيه الضعيفين حتى تحمل جسمه لأعلى بعيداً عن الأرض بحثاً عن الحب والحريّة والجمال وأصوات المناغاة وأدركت أنه من أجمل الأقدار أن يهبك الله القدرة أن تكون أنت السند لنفسك وأن تكون لديك القدرة على التكيف مع جميع المراحل العمرية والدراسية والمهنية لتشعر بالسعادة دائماً وتفلسف جميع الأحداث وتحولها إلى لحظات ضاحكة. تمنيت أن أقع فى حضن الأيام.