أستاذ الطب النفسى: الاكتئاب «كاس داير» بين أبناء المهنة
المهدى
قال الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى، إن «الطبيب النفسى بشر، ومن الممكن أن يصاب بأمراض نفسية، وذلك من خلال تعامله الدائم مع المرضى النفسيين»، مشيراً إلى أن سبب اعتقاد عدد كبير من الأفراد بأن الطبيب النفسى من الممكن أن يكون مريضاً نفسياً هو السينما، لأنها دائماً تظهره خلال أعمالها بشكل غير لائق، وأوضح «المهدى»، فى حوار لـ«الوطن»، أن «هناك أمراض نفسية معدية، على رأسها الاكتئاب»، مشيراً إلى أن نسبة انتحار الأطباء النفسيين أعلى نسبة بين أطباء التخصصات الأخرى، وتصل من 58: 65 حالة لكل 100 ألف، لافتاً إلى أن الطبيب أصعب مريض، لأنه لا يواظب على أخذ العلاج، ويرفض الخضوع لجلسات الاستماع.. وإلى نص الحوار.
ما أكثر الأمراض النفسية شيوعاً بين الأطباء النفسيين؟
- أكثر الأمراض التى تنتقل من المريض للطبيب المعالج هو الاكتئاب، لأنه عبارة عن طاقة سلبية يصدرها المريض للطبيب خلال جلسات العلاج المتكررة، تجعله يتأثر بها ويخزنها بداخله، والتأثير يختلف من طبيب لآخر حسب درجة نضجه وتوازنه النفسى، ويزداد النضج والتوازن بزيادة سنوات الخبرة.
محمد المهدى: «حديثو التخرج» أكثر عرضة لـ«الإصابة» لأنهم يتوحدون مع المريض
المرض النفسى معدٍ أم لا؟
- المرض النفسى كغيره من الأمراض التى من الممكن أن تنتقل بالعدوى، خاصة من خلال التعامل على المدى الطويل، وعلى رأس تلك الأمراض المعدية هو الاكتئاب، فهو ينتقل من المريض إلى طبيبه أو أصدقائه وإلى أفراد أسرته أيضاً، وذلك مقارنة بغيره من الأمراض كالتوتر أو الانفصام، فهى أمراض لا تؤثر بشكل كبير على الطبيب، لأنها أمراض بيولوجية بشكل أكبر من كونها معدية.
من هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية من الأطباء؟
- حديثو التخرج، الذين لم يكن لديهم خبرة طويلة فى مجال العمل، لأنهم يتوحدون تماماً مع المريض، ويعيشون معه مشاكله، ومن ثم يكونون أكثر عرضة لانتقال المرض، ومن جانب الأطباء النفسيين ذوى الخبرة يقومون بتدريب الأطباء صغار السن على كيفية التعامل مع المرضى، لنجعلهم بعيدين تماماً عن الإصابة أو نقل العدوى إليهم.
كيف يتم علاج الطبيب النفسى.. هل عن طريق الأدوية أم جلسات الاستماع؟
- فى أغلب الأحيان لا يفصح الطبيب عن مرضه النفسى، لأنه يرى أن ذلك يقلل من مكانته كطبيب، ما يسهم فى تأخر حالته الصحية، وفى حين ذهابه للعلاج يفضل تناول الأدوية عن الذهاب لجلسات الاستماع، لأنه لديه علم بما يقال فى تلك الجلسات، ويشعر أنه لم يستفد جديداً خلالها.
الطبيب لا يفصح عن مرضه النفسى ما يسهم فى تأخر علاجه.. ونسبة انتحاره الأعلى بين التخصصات الأخرى
فى حالة تعافيه من مرضه.. يستطيع العودة للعمل مرة أخرى أم لا؟
- نعم يستطيع أن يعود إلى عمله مرة أخرى، وفى أغلب الأحيان يعود بشكل أفضل من قبل، لأنه عاش تجربة المريض بنفسه، وشعر بإحساس المرض وكيفية العلاج منه، ويكون لديه قدرة أكبر على تحمل والاستماع إلى المريض ومشاكله.
هل تختلف طريقة العلاج بين الطبيب والمريض.. ولماذا؟
- «الطبيب هو أصعب مريض»، وأكثر المرضى الذين لا ينفذون التعليمات هم الأطباء أنفسهم، بالرغم من وعيهم بأهمية العلاج وضرورة المتابعة، فهم لا يطبقون ذلك على أنفسهم، فالمريض يسلم نفسه للطبيب لكى يعالجه، وبالتالى ينفذ تعليماته، لكن الطبيب إذا مرض يتدخل فى العلاج، وأحياناً تدخله يؤثر بالسلب على حالته.
ما الأمراض التى تستدعى ذهاب الطبيب النفسى لطبيب آخر؟
- هناك قاعدة فى مجال الطب تقول إن «المريض لا يعالج نفسه»، الطبيب النفسى بشر، يجرى عليه ما يجرى على البشر، ومعرض أن يصاب بأمراض نفسية، وإذا أصيب بمرض مثل الاكتئاب لا يصح أن يعالج نفسه، بل عليه التوجه لطبيب آخر زميل له، ليتولى علاجه، فجميع الأمراض تستدعى ذهابه لطبيب آخر.
كيف يتم فصل الحياة الشخصية عن الحياة المهنية لدى الطبيب؟
- لكى يتمكن الطبيب من عزل حياته العملية عن حياته الشخصية، يجب أن يكون مدركاً الفارق الكبير بين «التفهم» لحالة المريض، و«التعاطف أو المواجدة»، التى تعنى أنه يعيش نفس حالة المريض، وفى حالة أن الطبيب توحد مع الحالة ووضع نفسه مكانها، وبدأ فى البكاء تأثراً بها، هنا وقعت الإصابة على الطبيب دون أن يدرى.
هل لديك معرفة شخصية بتجارب لأطباء نفسيين أصيبوا وتعافوا من الإصابة؟
- نعم، فى مؤتمر من المؤتمرات التى كان يناقش فيها أحد زملائى بحثاً معيناً، قام طبيب نفسى آخر، وقال بصوت مرتفع: «البحث ده بتاعى إزاى ييجى يقوله، وأنا هبلغ عنه».. من الوهلة الأولى صدقنا كلامه، لكن شعرنا بعد ذلك أن حديثه يوحى بالاضطهاد تجاه الطبيب الآخر، وبالفعل اتضح أنه مريض «انفصام برانوى» وهو نوع بسيط من الانفصام، يقوم على أفكار اضطهادية تظهر عند وجود ضغط، وكان مقاوماً للعلاج فى البداية، لكنه خضع للعلاج وعاد كما كان واستكمل عمله، وهناك نموذج آخر لزميل رحمه الله، له شهرة كبيرة فى عالم الطب النفسى فى مصر، كان مصاباً بمرض «اضطراب وجدانى ثنائى القطب»، وهو عبارة عن تبادل بين نوبات اكتئاب ونوبات هوس «نشاط زايد فى الحركة والكلام وعدم القدرة على النوم»، وكان تحت إشراف طبيب آخر زميل له، وفى أوقات حدوث نوبات له، كان يتوقف عن العمل لحين انتهائها.
هل مهنة الطب النفسى شاقة عن غيرها من التخصصات الطبية؟ ولماذا؟
- نعم، هى مهنة شاقة ومحبطة أحياناً، لأن الطبيب يقضى طوال فترة عمله اليومى الذى يستمر لـ10 ساعات متواصلة مع مرضى نفسيين، تختلف حالاتهم النفسية، وعليه أن يستمع لكل مريض منهم شكواه، والعامل الأساسى فى نجاح الطبيب النفسى هو أن يكون شديد الحساسية، لكى يستطيع الشعور بمرضاه.
«المهدى» يتحدث لـ«الوطن»