يعتبر الدين مكوناً رئيسياً فى ثقافة المصريين عامة، المسلمين والمسيحيين، وكان التدين المصرى لفترات طويلة بديعاً يحمل كثيراً من شخصية المصريين التى وصفها المؤرخ العظيم جمال حمدان بأنها «شخصية النيل»، شخصية هادئة، متسامحة، لا تثور بسهولة، لأننا نميل إلى الاستقرار، وبالتالى كان تديننا مثلنا، التدين الهادئ المتسامح، يجمع كل الثقافات معاً، فالمصريون بصرف النظر عن الدين الذى ينتمون إليه، فإننا جميعاً ندفن موتانا على الطريقة الفرعونية، ونزرع أرضنا تبعاً للأجندة القبطية، وكل يصلى على دينه، حتى المسلمين من المفترض أننا سنة، لكننا نحتفل بالمناسبات الشيعية، ونتبارك بزيارة آل البيت، هذه هى الشخصية المصرية، بوتقة تذوب فيها كل الحضارات والأديان، لتنتج إبداعاً وتسامحاً.
لكن للأسف هذه الشخصية تأثرت بشدة بتيارات سياسية اتخذت من الدين أداة للسيطرة، فأفسدت ما عجز الزمن عن إفساده، فحولت الشخصية الصافية الهادئة المتسامحة كالنيل إلى شخصية عنيفة عنصرية غاضبة، كالنار تلتهم حتى أقرب الأقربين، لنجد معدلات عنف تجاه الآخر المختلف، كالأقباط والبهائيين، بل نجد عنفاً تجاه الأسرة نفسها، الزوجة والأولاد، فمعدلات العنف ضد أفراد الأسرة، خاصة الأطفال غير مسبوقة.
فى خضم هذه الأحداث يتساءل الكثيرون، أين منارة الإسلام «الأزهر» من الوقوف فى وجه هذا الغل والتطرف؟ لماذا نسمع بعض الأصوات المنفرة والفتاوى الأقرب إلى الجنون منها إلى العقل، وليس إلى الدين حتى؟ وهل لم يعد خطاب الأزهر يتناسب مع احتياجات المجتمع الآن، أو الرد على الأسئلة ذات الصلة بمستجدات العصر؟
فى رحلتى للبحث عن إجابة لهذه الأسئلة، فوجئت بمركز الدراسات الإسلامية بالأزهر بكنوز من المعرفة واجتهادات مهمة فى كل المجالات الحديثة وقضايا وإشكاليات الحياة، كلما بحثت وجدت اجتهادات مدهشة، منها على سبيل المثال كتاب رائع باسم «الأطفال فى الإسلام: رعايتهم ونموهم وحمايتهم».
وهو ليس كتاباً عادياً وإنما دليل يتناول كل شىء حول حقوق الأطفال من قبل أن يوجدوا فى الحياة إلى حقوقهم وهم أجنة وحقوقهم من أول يوم الميلاد، دليل يحتوى على بحوث ومقتطفات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والسنة، ويوفر معلومات مهمة حول حق الطفل فى الصحة والتعليم والرعاية والحماية، ويتناول بكل دقة وحسم قضايا عدة مثل الزواج المبكر، الختان. منع ضرب الأطفال، ويرد على كل ما هو شائك من نوعية أن السيدة عائشة تزوجت صغيرة، وكأن ذلك سنة نتبعها، ليكون الرد حاسماً من القرآن، أيضاً حق الأطفال فى الحب، والصحة، والتعليم، والكرامة وغيرها، كلما قرأت فى الكتاب اشتد إعجابى بهذا الجهد العظيم لكن زاد إحساسى بالغيظ، إذا كان لدينا كل هذا الاجتهاد لمَ أغلب من يظهر فى الساحة أنصاف المتعلمين؟ لماذا يصدمنا مجانين مضاجعة الصغيرة؟! نحن بحاجة إلى أن يتصدر هذا الجهد وسائل الإعلام لتصحيح الكثير من المفاهيم السلبية، اللافت للنظر فى هذا الكتاب أنه تعاون بين كل من «اليونيسيف» وجامعة الأزهر، وجمع البعد الدينى مع البعد الحقوقى ليكون أداة لنشر الوعى، لأنه يعكس الرؤية الأكثر شمولية لقضايا الأطفال فى الإسلام، لعله يكون أداة للدفاع، ليس فقط عن الأطفال، لكن عن الإسلام نفسه المهان من أهله فى الداخل والخارج.