لعلها كانت المرة الأولى التى أدلف فيها لقاعة مجلس كلية طب قصر العينى العريقة.. الحدث كان اجتماعاً موسعاً فى أواخر عام ٢٠١٢ برئاسة عميد كلية طب قصر العينى فى ذلك الوقت الدكتور حسين خيرى.. وبحضور عمداء كليات الطب ومديرى المستشفيات الجامعية على مستوى الجمهورية لمناقشة قانون المستشفيات الجامعية المقدم وقتها.. والأب الشرعى لقانون المستشفيات الجامعية الذى تم إقراره فى البرلمان منذ عدة أشهر.. الطريف أن الاجتماع انتهى برفض مقترح القانون نهائياً.. ووضع الكثير من الملاحظات عليه.. والأطرف أن القانون بنفس مواده الجدلية تم إقراره بعدها بسنوات خمس!!
ولعلها حالة متكررة أن يثار الجدل فى أروقة المستشفيات الجامعية بشأن قانونها الذى ولد منبوذاً منذ أن ظهرت أفكاره الأساسية فى الأعوام الأولى للألفية الثالثة.. فيرفضه أعضاء هيئة التدريس لأسباب كثيرة معظمها بديهى ويعرفه كل من عمل يوماً بكليات الطب ومستشفياتها الجامعية.. وبعضها يرتبط بسمعته السيئة التى اكتسبها من شبهات خصخصة تلك المستشفيات على يد جمال مبارك فى نهاية العقد الأول من هذا القرن.. ولكن يبدو أن البعض يصر على تمريره بنفس العيوب فى كل مرة لسبب لا يعرفه أحد!!
فى البداية ينبغى أن نقر أن تطويراً كبيراً ينبغى أن يحدث فى قانون المستشفيات الجامعية الحالى، الذى يحمل رقم ٣٣٠٠ لعام ١٩٦٥!!.. فلا أعتقد أن قانوناً صدر فى منتصف الستينات يمكن أن يصلح فى عام ٢٠١٨.. ولكن يبدو أن مفهوم التطوير الذى يسعى إليه أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب يختلف عما يسعى إليه أصحاب هذا القانون الذى لا أعلم من الذى يضغط لإقراره هو ولائحته التنفيذية بهذه القوة رغماً عن إرادة معظم أساتذة الطب بالجامعات المصرية..!
القانون الجديد يؤكد على فصل المستشفيات الجامعية عن كلياتها إدارياً ومالياً و«فنياً».. فإذا كان الفصل الأول والثانى مقبولاً على استحياء باعتبارها مؤسسات خدمية.. فالفصل الفنى يعوق تماماً دورها التعليمى.. فكيف يتم اتخاذ القرار الطبى بمعزل عن هيئة التدريس بالأقسام المختلفة!!
كما أن فكرة التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس للعمل بالمستشفيات هى فكرة غير مقبولة على الإطلاق.. فالمستشفى الجامعى جزء لا يتجزأ من كلية الطب.. والعمل بأقسامه لا يمكن حصره فى علاج المرضى بأجر أو بدون.. بل هو جزء من العملية التعليمية التى هى أصل وظيفة عضو هيئة التدريس بكلية الطب.. فكيف يعمل البعض فيها دون البعض الآخر؟!.. هذا بمعزل عن البدل المقرر للتفرغ، الذى لا يكفى تماماً لهذا التفرغ التام.
لن أتحدث عن مجانية العلاج فى تلك المستشفيات، التى بات يشوبها الكثير من الشكوك حول استمرارها.. وفكرة تدريب الأطباء حديثى التخرج، التى يجعلها القانون فى حوزة إدارة المستشفيات الجامعية بعيداً عن رؤساء الأقسام.. والخلط بين مهام المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية والمجلس الأعلى للجامعات..!
ربما كان رد فعل السيد وزير التعليم العالى محموداً عندما تواصل مع الدكتور صلاح الغزالى ليؤكد أنه لن يصدر اللائحة التنفيذية دون موافقة أساتذة الطب.. وأنه يرحب بالنقاش حول بنود الخلاف.. ولا يتمسك برأى مسبق.. بل إنه لن يقر سوى ما توافق عليه لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات فى حكمة سياسية ينبغى تثمينها..!
ويبقى أن نعترف أن قصوراً شديداً يعترى المستشفيات الجامعية لأسباب عديدة معظمها يتعلق بالميزانيات المخصصة لها.. ولكن قانوناً بهذا الشكل لن يحل المشكلة.. لن يحلها على الإطلاق!!
ويبقى السؤال الذى ينتظر إجابته غالبية أساتذة الطب بالجامعات المصرية.. هل يستجيب الرئيس لمجتمع أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب ويعيد هذا القانون للبرلمان مرة أخرى كما فعل مع قانون التجارب السريرية؟.. إنها مناشدة نرجو أن تلقى آذاناً لها.. فالقانون ولد بعيداً عن من سيطبقونه.. وأهل مكة أدرى بشعابها!!