يعتبرها البعض مزاجا فلا يخلو يومهم من تذوقها، يستلذون بأنفاسها، يستنشقون رائحتها التي تكون ضارة بالنسبة لهم ولمن يجاورهم أيضا، ومع علمهم بسلبياتها إلا أنهم يستمرون في شرائها، حتى أصبحت سجائر "كليوباترا" الأكثر شعبية في مصر والوطن العربي أيضا، منذ ظهورها.
"جوزيف ماتوسيان" هو صاحب شركة سجائر "كليوباترا"، التي صارت عملة الأفراح فلا يتوقف صاحب الفرح و معاونوه عن تقديمها للمدعوين، وعملة الجنازات أيضا، وتحية الضيافة والونس من وجهة نظر البعض، بحسب "عمر طاهر" في كتابه "صنايعية مصر".
بدأ ماتوسيان تحقيق حلمه، ووقتها كانت المنافسة حامية، وزادت وطأة المنافسة عندما تدخل القصر الملكي وأصدر قرارا بإنشاء الشركة الشرقية للدخان، لكن أصر ماتوسيان على تحقيق أحلامه ونجاح مشروعه، فلم يكتف بالدعاية في الصحف والمجلات، واتفق مع نجيب الريحاني على أن تقوم فرقته بتقديم موسم مسرحي في الإسكندرية لحساب الشركة، على أن تضع الشركة في علب السجائر كوبونات يستطيع من يشتريها أن يقدمها لعامل التذاكر، ويحصل على تذكرة مخفضة.
كان الريحاني وقتها في أزمة مالية، وكان بحاجة لمن يمول مسرحيته الجديدة، فظهر ماتوسيان وكان الاتفاق أن يقوم الريحانى بالدعاية لسجائر ماتوسيان على أن يدفع له يوميا عشرة جنيهات، إضافة لتأمين كل نفقات الفرقة والمسرح و الدعاية طيلة الموسم الصيفي، ونجح الاتفاق.
حكاية "كليوباترا"، كانت في شتاء عام 1961، على هامش اكتشاف أنشطة تجمع السوق المصرية والسوق السورية أيام الوحدة، إذ قررت مصر إقامة معرضا في أرض المعارض بالجزيرة للصناعات التي يمكن أن تصبح مشتركة بين البلدين، قررت غرفة صناعة السجائر أن يكون هناك جناح للتبغ المصري و السوري، ووصلت أخبار عن أن جمال عبدالناصر سوف يقوم بزيارة المعرض الذي تشارك فيه "كليوباترا".
وصل ناصر المعرض وصافح ماتوسيان، ثم أخذه في جولة للتعرف على جميع أنواع المعروضات، على هامش الجولة، ووزع ماتوسيان السجائر والسيجار على ناصر ورفاقه، كان منتج ماتوسيان الأهم وقتها سجائر(بلمونت)، أخذها ناصر ووضعها جانبا، ثم وضع يده في جيبه وأخرج علبة سجائره الخاصة (كنت)، و أشعل سيجارة منها، وقال لهم إنه لا يغير نوع سجائره فالتغيير يؤثر سلبيا على رئتيه، وربما شعر أن مبرره لا يخفف من الإحراج الذى سببه للحاضرين، فقال لهم نصا: "شوفوا كدة يا جدعان، لو عملتوا سجارة محلية زى (كنت)، هاكون أول وأكبر زبون عندكم"، فالتقط ماتوسيان طرف الخيط وقال لناصر نصا: "طلباتك أوامر".
في اليوم التالى، طلب ماتوسيان كمال قطية، عضو غرفة صناعة السجائر في مصر، وقال له: "يا كمال إحنا وعدنا الرئيس نعمل له سيجارة زي الكنت"، ثم طلب منه أن يشتري من السوق السوداء ثلاثة خراطيش، لتحليلها ومعرفة كيف تتكون خلطتها".
بعد ثلاثة أسابيع، كان هناك اجتماع لدراسة النماذج الجاهزة من تلك السيجارة، كانت قريبة منها بالفعل، وتم تصميم علبتها بحيث تكون قريبة الشبه من "الكنت"، بيضاء بخطوط ذهبية رفيعة، وكانت المصنع من عمال يصنعوا بأنفسهم التبغ يدويا ويقطعوه ويعبئوه داخل لفلفات ورقية.
بقي اختيار الاسم، وكانت وقتها الضجة الكبرى حول فيلم (كليوباترا) لإليزابيث تايلور، لما حققه من نجاح عظيم، ففكر ماتوسيان أنهم لن يحتاجوا لدعاية إضافية مع رواج الاسم، وبالفعل أصبحت "كليوباترا" فيما بعد صديقة الفقراء، والسيجارة الشعبية الأولى، لظروف عدة من بينها السعر وغياب المستورد لسنوات طويلة.
وأراد "ماتوسيان"، أن يجرب صاحب الفكرة وملهمهم، السيجارة، فتم إعداد لفة أنيقة من الورق المذهب وُضع بها أربعة خراطيش كيلوباترا مع رسالة من ماتوسيان للرئيس عبدالناصر، حملها قطية وماتوسيان إلى كوبري القبة، حيث يقيم الرئيس ولكنه لم يرد، وفي إحدى حفلات الزفاف التي جمعتهما معا ترقب صاحب السيجارة عبدالناصر ليخرج علبته ليعرف نوعها، ولكنه كان يستخدم نوعا أمريكيا، بعدها رحل ماتوسيان، ثم هاجر قطبة إلى كندا، ولم يعرفا حتى رحل ناصر إن كان قد أحب الكليوباترا أما لا.
تعليقات الفيسبوك